بعد تسنمه رئاسة التحالف الوطني ، اعلن السيد عمار الحكيم انه سيجعل من هذا التحالف مؤسسة تقوم على الحوار والمصالحة مع الجميع . . ورغم اننا لا نختلف مع السيد الحكيم على هذا المبدأ ، الا انه يبدو نظريا اكثر مما هو عملي . فخلال تجربة الحكم لمدة تزيد على الثلاثة عشر عاما ثبت لنا ان مثل هذه النظريات لا يمكن تطبيقها على ارض الواقع . بسبب التحزب والتكتل الطائفي والقومي ، الذي رافق العملية السياسية منذ انطلاقتها . . حيث تم ابتداءً تشكيل الائتلاف العراقي الموحد الذي ضم الاحزاب والكتل الشيعية . وفي المقابل تم تشكيل جبهة التوافق التي ضمت احزابا وكتلا سنية . وكذلك التحالف الكوردستاني المؤلف من الاحزاب الكوردية فقط . . وفي مرحلة لاحقة تم تأسيس التحالف الوطني بديلا عن الائتلاف الشيعي . واتحاد القوى بديلا عن جبهة التوافق السنية . وبقي التحالف الكوردستاني يضم الاحزاب الكوردية في اقليم كوردستان .
ونتيجة للصراع على السلطة والثروة ، فقد دب الصدع بالتحالف الوطني . وبقي تحالفا بالشكل فقط . ولنفس السبب انفرط عقد اتحاد القوى السني . . ثم بلغ الصراع اشده بعد اقالة وزير الدفاع . فانقسم الى كتلتين احداها تؤيد رئيس المجلس النيابي ، والاخرى تؤيد وزير الدفاع .
وكذلك التحالف الكوردستاني الذي ظهرت عليه الانشقاقات والخلافات الحزبية ، وخصوصا بين حزبي الاتحاد الوطني والديموقراطي الكوردستاني . ثم انشق الاتحاد الوطني الى كتلة التغيير ، وكتل اخرى داخل الحزب الواحد . وهكذا نجد ان كل التحالفات التي بنيت على اسس طائفية وقومية لم تصمد امام مغريات السلطة والثروة . . وقد انعكس هذا على وزارات ومؤسسات الدولة في الحكومة الاتحادية ، وانتقل الى اقليم كوردستان . ثم عم كل مجالس المحافظات الشيعية والسنية على حد سواء ، ووصل الخلاف الى ماصنع الحداد بينهم . . فوقع المواطن ضحية هذه الصراعات والخلافات المستمرة الى يومنا هذا .
فهل بعد كل هذا يمكن اصلاح العملية السياسية العرجاء ، المبنية على تحالفات طائفية وقومية منقسمة على نفسها ، وقابلة للانشطار اكثر فاكثر .
ان التحالف الوطني الذي يمثل الكتلة الاكبر في مجلس النواب ، والذي يقود العملية السياسية ، يجب ان يعيد النظر ليس في قيادته فقط ، بل في اسس تشكيله . حيث ان القائد مهما اوتي من حنكة وحكمة لا يستطيع ان يرمم بنيانا مهزوزا مليئا بالشروخ وآيل الى السقوط .
ان مأسسة التحالف الوطني يجب ان تشمل اساس هذا التحالف ، لا ترميم تصدعاته . . ولكي نحقق هذا الهدف ، علينا اولا استبعاد التخندق الطائفي ، من خلال اشراك قطاعات من الائتلافات السنية والكوردية القريبة من منهج وفكر التحالف الوطني فيه . وعدم اقتصاره على احزاب وتكتلات شيعية غير متجانسة . . حيث اثبتت التجربة بما لا يقبل الشك والتأويل ان ذلك لم يعد مجديا . واننا اذا اردنا ان ندير الحكم بالاغلبية النيابية فاننا يجب ان نبتعد عن التخندقات الطائفية . حيث لا يمكن تحقيق الاغلبية الحاكمة من طائفة واحدة فقط . خصوصا اذا كانت هنالك خلافات عميقة داخل كتلة الطائفة الواحدة . وبذلك فاننا اذا اردنا للتحالف الوطني النجاح في مسيرته بادارة حكم الاغلبية فان علينا استبعاد الكتل غير المتجانسة من هذا التحالف ، وضم كتل سنية وكردية من داخل العملية السياسية او من خارجها ، لكي نستطيع ادارة الحكم بطريقة ديموقراطية وحضارية ووفق اسس سليمة بعيدة عن التشكيك في الاستئثار بالحكم او تهميش الاخر ، مبتعدين في ذلك عن التخندق الطائفي والاثني، مع اعتماد منهاج عمل للدولة في المرحلة القادمة . وفي المقابل بامكان الاحزاب والكتل الاخرى تشكيل تحالفاتها على وفق منهجها وفكرها في ادارة الحكم . وبذلك فقط يمكن ان نؤسس لتحالف وطني قادر على ادارة دولة عصرية تقوم على تحالفات حقيقية هذه هي الطريقة الوحيدة لمأسسة التحالف الوطني . وبعكسه فاننا نخدع انفسنا اذا تكلمنا مرة اخرى عن الحوار والمصالحة دون تحقيق ذلك على ارض الواقع .
ان هذا السبيل يبدو ضربا من الخيال لاول وهلة ، الا انه في الحقيقة قابل للتحقيق ويحتاج فقط الى جرأة قائد يستطيع ان يحمل وطنه على كتفيه .