الرقص فوق رؤوس الثعابين، هي مقولة تُقال لكل من يُحسن التعاطي مع «متناقضات»، سواء أكانت مصالح أم قضايا أم سلوكيات. فإجادة الرقص وحسن اختيار «النقلات» ومهارة التملّص من لسعات الثعبان، قد تُعدّ خصائص قلّما وجدت عند كثير من الناس؛ فصعوبة التكهن بردة الفعل، المفترضة من قبل تلك «الرؤوس»، تجعل إتقان تلك المهمة وتنفيذها، مع ما تحمله من نتائج قد تصل إلى حدّ القتل، أمراً لا يجيده كثيرون، إلّا أصحاب الاختصاص. إن التمادي في فرض «الأمر الواقع» على السلوك السياسي العام، المرتبط بخيوط المصالح تلك وتقاطعاتها وأصحابها، وصل إلى مرحلة لم يعد نافعاً معها أي إصلاح في شكل ذلك الوجه المتصدر للمشهد، والذي عبث فيه فساد أصحابه، فشوّهوه إلى حدّ لا يمكن ترميمه، ما سيجعل تلك الرقصة المجنونة قاتلة في النهاية، ولن ينجو منها إلّا ذلك الثعبان المتربص والمقيم في جلباب الراقصين.
حديث الكاظمي لصحيفة “الغارديان البريطانية” قائلا: “أرقص يوميا مع الثعابين ولكني أبحث عن مزمار للسيطرة عليهم”، حسبما نقلت عنه. والكاظمي هو مواطن بريطاني جاء لرئاسة مجلس الوزراء من قبل منظومة الفساد والفشل والتبعية. وكلامه بالرقص مع “الثعابين ” بأنه مجبر على تنفيذ اشتراطاتهم وعدم الاحتكاك مع ميليشيات الحشد وخاصة الولائية منها التي دمرت البلاد والعباد .والدليل على ذلك حادثة إلقاء القبض على خلايا الكاتيوشا من ميليشيا كتائب حزب الله ومن ثم إطلاق سراحهم وبعدها قامت هذه المجموعة التي تدعي في الإعلام بأنها مرتبطة بالقائد العام وليس في إيران من وضع صور القائد العام الكاظمي تحت احذيتهم أمام وسائل الإعلام دون ان يتخذ اي إجراء قانوني بحقهم واستمر تمادي الميليشيات سواء في عمليات اختطاف الناشطين والقتل وتهريب النفط والسيطرة على المنافذ الحدودية ونشر المخدرات وقصف البعثات وتكريس التخلف ونشر الرذيلة وإضعاف الإنتماء الوطني. مما يؤكد أن ” الثعابين هي التي ترقص على رأس الكاظمي وليس بالعكس” .
بمعنى أن الكاظمي راقصا جيداً مع الشعب ولايحتاج الى مزمار لرقص الثعابين بأثبات وعوده وتعهداته التي اطلقها أمام الشعب وفي برنامجه الحكومي والتي لم يتحقق منها أي شيء في مقدمتها الكشف عن قتلة المتظاهرين والجهة التي اغتالت الدكتور الهاشمي والناشطة ريهام يعقوب وتحسين الخفاجي وفشله في إطلاق سراح الناشط “سجاد العراقي” رغم علمه بالجهة الخاطفة المشتركة في العملية السياسية .حتى طريقته في مكافحته الفساد لم تشمل الحيتان الكبار .لأنه لايمتلك القدرة والشجاعة على تعزيز قوة القانون وحماية المواطنين والحفاظ على كرامتهم من بطش الميليشيات التي تنتهك سيادة الدولة يومياً.
الهروب إلى الأمام من سلوك الكاظمي من خلال “تلاعبه بالألفاظ” دون تحقيق منجز واحد على أرض الواقع .ولكنه سريع التنفيذ لمطالب الميليشيات الولائية، بحكم “الوهن”، وحديثه عن ضبط السلاح المنفلت هو ذات الكلام الذي أطلقه المالكي والعبادي وعبد المهدي وأصبح اسطوانة مشروخة. في حين يؤكد الشعب العراقي عبر ثورته على إلغاء الحشد عبر دمجه بالجيش وفق ضوابط معينة بأنه القرار الشجاع والصائب في ضبط السلاح المنفلت وخلاف ذلك هراء.
أما ورقة الكاظمي “البيضاء” بإمكان نشرها في مجلات علمية لأنها لا تحمل معالجات آنية للأزمة الاقتصادية والمالية. ودون وجود إرادة حقيقية في مكافحة الفساد لاقيمة لهذه الورقة. لأن الإصلاح يبدأ منها.
وللعودة على كلام الكاظمي في “رقصه اليومي مع الثعابين” وترشيحه لرئاسة مجلس الوزراء جاء من سلالها التي دمرت العراق خلال 17 سنة.
لقد اختار الكاظمي نهايته السياسية منذ لحظة موافقته على ترشيحه لمنصبه الحالي من قبل تحالفي سائرون والفتح اللذان يؤمنان بلغة القوة والسلاح المجردة من القيم الوطنية . الشعب العراقي يعلم جيدا أن مآسيه، وجراحه، يقف خلفها النظام السياسي الفاسد الفاشل التبعي . سيرحل الكاظمي بدون ” المزمار” لتبقى الثعابين داخل سلالها لتخرج مرة أخرى وترقص على رأس رئيس الوزراء القادم والشعب هو الذي سيقضي عليها بدون الرقص معها عبر ثورته العظيمة. ونقول لمن يريد “الرقص مع الثعابين “عليه ان يتقبل قذارة السياسة لمواصلة التآمر على البلاد ومستقبله.