23 ديسمبر، 2024 6:20 م

السيد الشهيد محمد الصدر الأعلم في الفقه والأصول

السيد الشهيد محمد الصدر الأعلم في الفقه والأصول

ليس الغرض من هذه الكلمات هو إثبات أعلميه السيد الشهيد محمد الصدر(قدس) لأنها تزداد وضوحا ً كل ما تقدم بنا الزمن!!!!! مع أن تقدم الزمن يستلزم العكس بطبيعة الحال و لكن هذه القاعدة لا تنطبق على أعلمية السيد الشهيد محمد الصدر (قدس) لعدة أسباب هي التي جعلناها موضوعاً لهذا البحث
إن السيد الشهيد محمد الصدر ( قدس ) من الشخصيات النادرة بل ومن فلتات الحوزة العلمية الشريفة في النجف الأشرف و في سائر البلدان الإسلامية قم و لبنان و سوريا …….. الخ
وبالرغم من أن الحوزة العلمية الشريفة قد أنجبت الفحول والأساطين من العلماء والمجتهدين والمراجع فقد برزت شخصية السيد الشهيد محمد الصدر ( قدس ) وأثبتت وجودها وجدارتها وعلو شأنها و مكانتها وسموها دينيا وروحيا وعلميا ….
فنجد أن السيد الشهيد محمد الصدر ( قدس ) أبدع في جوانب كثيرة وأصبح الأول فيها بلا منافس و من أهم هذه الجوانب الفقه والأصول و اللغة والتفسير والنحو والأدب والشعر و العرفان و الأخلاق و الفلسفة و علم الكلام و التأريخ والفلك والاجتماع والقانون و الوعي الإسلامي و الطبيعيات كالفيزياء والكيمياء والأحياء والطب…..الخ و هو بحد ذاته يمثل حوزة علمية شاملة مستقلة و دائرة معارف متكاملة ……
و خير دليل يشهد على ذلك هو آثاره الفكرية المتنوعة كموسوعة الإمام المهدي و موسوعة ما وراء الفقه و فقه الأخلاق و منة المنان و المعجزة في مفهوم الإسلام و القانون الإسلامي صعوباته و مناهجه و غيرها من المؤلفات العظيمة القيمة و التي تتميز بميزات و خصائص من النادر أن نجدها في المؤلفات الأخرى …….
إضافة إلى ذلك ما قام به (قدس) من إحياء الحوزة العلمية الشريفة بعد موت طويل لا حاجة إلى ذكر أسبابه
فكان إحياء السيد الشهيد محمد الصدر(قدس) للحوزة العلمية يمثل تحديا للطاغوت صدام المقبور خصوصاً أنها أحُييت من قبله بعد ظروف عصيبة مرت بها الحوزة بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1991 التي أفتى السيد الشهيد محمد الصدر(قدس) بالجهاد ضد الهدام و بعثه الكافر ……
إن فتح أبواب الحوزة أمام المجتمع من أعظم التحديات لطاغوت العصر و أسياده من الثالوث المشؤوم (( أمريكا – بريطانيا – إسرائيل )) و كان هذا العمل بداية الخير و بداية الهداية للناس من جهة ومن جهة أخرى بداية النهاية للكفر والإلحاد و الفسق و الفساد و الانحراف الذي كان الصفة الغالبة لشعب العراق في ذلك الوقت فما كان من هذا السيد الشهيد إلا أن يستجيب لنداء المعصومين الذي كان يتمثل بما يروى عنهم (( إذا ظهر الفساد في الأرض فعلى العالم أن يُظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله )) و بطبيعة الحال أن السيد الشهيد محمد الصدر لا يريد هذه اللعنة لا له و لا لكل العلماء فلا بد من إظهار العلم فكان أحياءه لهذه المؤسسة الدينية العظيمة بعد الموت و النوم العميق هو أحد المقدمات المهمة لنشر الهداية و الحق و محاربة الفساد و الانحراف و فرصة عظيمة و مؤثرة لإحياء عبادة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي يقول عنها السيد محمد الصدر في كتاب الغيبة الكبرى أنها وسيلة مهمة لحفظ تماسك المجتمع الإسلامي من التفسخ و التميع و إهمالها يكون سبباً لحصول الغزو من قبل أهل الكفر و كذلك يقول السيد محمد الصدر أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يكون نتيجة و عملاً يأتي بعد الفتح الإسلامي أو ما يسمى بالجهاد الهجومي فالبلدان الكافرة عندما تفتح عن طريق الغزو ( الجهاد الهجومي ) يكون هذا الفتح مقدمة لأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لكي يبقى البلد الذي فتح مسلماً صالحاً ومتماسكاً
و من هنا يتضح أن إهمال هذه العبادة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يكون سبباً للتفسخ و التميع و بالتالي يكون هذا المجتمع عرضة للاحتلال من قبل الكافر و بالتالي يضطر المجتمع إلى الجهاد الذي يسمى الجهاد الدفاعي الاضطراري و هو بطبيعة الحال لا يحتاج إلى إذن الفقيه
و نلاحظ أن السيد محمد الصدر أحياء هذه الشعيرة واستطاع أن يهّيا كل المقدمات الضرورية لها …….و كذلك من جملة آثاره العظيمة المهمة ما قام به السيد محمد الصدر ( قدس ) بنفسه من عملية تربية للأمة و أعداد للقواعد الشعبية المؤمنة المتدينة و ما قام به من نشر للوعي الإسلامي الاجتماعي و الشواهد كثيرة و القصص لا تعد في هذا المجال و على سبيل المثال ما كشفه أحد رجال الشرطة من إحصاءات لنسبة الجرائم في العراق حيث وصلت إلى 95% الهجومي ثم انخفضت إلى 6 % و كان هذا الانخفاض متزامناً مع تصدي السيد محمد الصدر ( قدس ) لتربية الأمة و المجتمع العراقي و انخفاض هذه النسبة هو نتيجة لهذه التربية الرسالية ، أن السيد محمد الصدر عن طريق ولايته العامة استطاع أن يرتفع بالأمة إلى هذا المستوى الرفيع من الإيمان و التقوى
ونحن لا بد أن لا ننسى شيء مهم و هو أن السيد محمد الصدر ( قدس ) في كل أعماله على مستوى التأليف أو الحوزة أو المجتمع تعرض لهجمة شرسة و شعواء من جهات عديدة منها دينية وأخرى دنيوية في الداخل و في الخارج و لكنه بالرغم من هذه المحاولات من أجل إفشال مرجعيته الرسالية و إطفاء نور الله و إسكات صوت الحقا استطاع الصدر المقدس أن يبرهن لنا عملياً كيف أن النصر من عند الله أي مهما كان عدوك ومهما كانت عدته وعدوة فإذا كنت مع الله فان الله هو الناصر .
وكان حقا ما قام به السيد محمد الصدر من أعمال عظيمة تشكل بمجموعها فتحاً مبيناً ونصراً لا زال إلى يومنا هذا يحتفظ بوهجه كما نراه اليوم على يد المجاهد السيد مقتدى الصدر الابن البار للشهيد الصدر ( قدس ) وهو أيضا نستطيع أن نعتبره إنجازات السيد مقتدى الصدر العظيمة هي عمل من أعمال السيد محمد الصدر التي ذكرنا بعضها مسبقا .
و نكتفي بهذا المقدار من الحديث من أعمال السيد محمد الصدر ( قدس ) التي شملت جوانب متعددة و هنا الاكتفاء طبقاً للقاعدة التي تقول ما لا يدرك كله لا يترك كله
و الآن نفتح الحديث عن شيء مهم وإنجاز عظيم من إنجازات الصدر التي تدل على أعلميته في الأصول و الفقه و هو ما قام به السيد محمد الصدر ( قدس ) من سّد فراغ كبير في الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه الإسلامية
لا شك أن التطور العلمي و خصوصاً بعد عصر النهضة في أوربا و عصر الثورة الصناعية التي كان من وراءها الاتجاه الحسي في المعرفة بعد أن دخل الحس و التجربة و المختبرات العلمية كمقدمات ضرورية في اكتشافات أسرار الكون و قوانينه و منذ ذلك العصر نجد أن هذا الاتجاه لم يقتصر على مجال معين بل شمل حقول متعددة من المعرفة بل تعداها إلى الجوانب التي هي بطبيعتها غير مادية
ومحل الشاهد من هذا الاستعراض أن الخبرة البشرية في الكون و الطبيعة ازدادت كماً و نوعاً و بالتالي ازدادت الحوادث و الوقائع التي تحتاج إلى معرفة الحكم الشرعي لها و خلال هذا التقدم الهائل و الازدياد في الوقائع و الحوادث كل هذه الأمور أصبحت من العقبات أمام الفقه و بالتالي أصبح هناك ثغرة كبيرة في التشريع الإسلامي لا بد من إشباعها و سد فراغها خصوصاً أن الكثير من المستحدثات التي نتجت عن هذا التطور العلمي أصبحت في محل الابتلاء للفرد و المجتمع
و من هنا أصبح لزاماً على الفقهاء بيان الأحكام الشرعية على الأقل في حدود ما هو مبتلى
و بالرغم من هذه الثغرة في الفقه التي كانت تشكّل نقطة ضعف في الفقه الإسلامي بصورة عامة وقتئذ و لكن توجد نقطة قوة لدى الفقه الإمامي و هو أن باب الاجتهاد لا زال مفتوحاً الأمر الذي جعل من الممكن سد فراغ هذه الثغرة الكبيرة و كذلك معالجة نقطة الضعف هذه و ليس معنى الاجتهاد هو الرأي الشخصي في حال عدم توفر دليل شرعي من الكتاب أو السنة و كذلك ليس معناه الاجتهاد مقابل النصوص ( قال الله كذا و أقول كـذا ) إنما المراد بالاجتهاد الاصطلاح الفقهي الذي يعني عملية الاستنباط و هي استنباط الحكم الشرعي و الوظيفة العملية تجاه واقعة ما من الكتاب والسنة و لكن عملية الاستنباط لا يمكن أن يقوم بها الفرد العادي ما لم تحصل له ملكة الاجتهاد ( ملكة الاستنباط ) و هي تستلزم التبحر في الفقه و المعرفة الواسعة للأحكام مع استيعاب جميع المقدمات اللازمة لذلك سواء كانت مقدمات بعيدة كعلم الرجال و الحديث و النحو و المنطق و اللغة …… الخ أو مقدمات قريبة كعلمي الأصول و الفقه ….. و على الأغلب أنها تستغرق مدة من الزمن تتجاوز عشرات السنين من الدراسة الجادة و الجهيدة و المعمقة التي لا توجد لها نظير في اعظم جامعات العالم أضف إلى ذلك أن عملية الاستنباط ( الاجتهاد ) هي عملية شرعية أمّر بها الإسلام بل أنها أهم مصاديق التفقه في الدين الذي جاء في الآية الكريمة (( ولو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ))
أن التطور الذي حصل و الذي أنتج كماً هائلاً من الحوادث و المسائل التي هي محل الابتلاء فعلاً أو بالقوة شكلّ في حينه تحدياً واضحاً للفقه الإسلامي …….
و لكن استطاع الفقه الإسلامي أن يصمد و أن ينتصر و أن يثبت ربانية الشريعة الإسلامية و كان ذلك على يد المرجع الكبير السيد محمد باقر الصدر ( قدس ) و المرجع الكبير السيد محمد الصدر ( قدس ) أما كيف ؟
فنجيب بوضوح ما قام به السيد محمد باقر الصدر و من بعده السيد محمد الصدر من تجديد في علم أصول الفقه حيث أن المعلوم أن الصدرين المقدسين هم من عظماء المحققين في علم أصول المذهب الإمامي و بالتالي من عظماء المذاهب الإسلامية الأخرى بطريق أولى ……
لأنهما أستوعبا علم أصول الفقه و طرحوه خطوات متقدمة إلى الأمام فالسيد محمد باقر الصدر طرح علم أصول الفقه بتأسيسه مدرسة في الأصول متقدمة عن ما وصل إليه أصول الفقه خلال أكثر من ثمان قرون و التي كان وريثها سماحة المحقق الخوئي ( قدس )
و جاء السيد محمد الصدر و كان من حسن التوفيق أن يحضر أبحاث الخارج في علم أصول الفقه لدى أعظم المحققين في عصره و هما المحقق الخوئي والمحقق محمد باقر الصدر ( قدس الله روحيهما ) مع أن الفرق بينهما أن أصول محمد باقر الصدر ( قدس ) خطوة متقدمة أمام المحقق الخوئي ……. فالسيد محمد الصدر أستوعب هاتين المدرستين العظيمتين في الأصول و طرحها خطوة إلى الأمام
وكلامنا عن التحدي الذي واجه الفقه الإسلامي و بالتالي الشريعة الإسلامية و هي تقف أمام هذا التفجر في حقول المعرفة و الازدياد في الحوادث ………
ولو لا أن باب الاجتهاد لا زال مفتوحاً و بصورة أدق لو لا علم أصول الفقه لما تمكن علم الفقه من سد هذه الثغرة ……..
و من هنا تأتي أهمية علم أصول الفقه حتى على علم الفقه نفسه بل أنه لا معنى لعلم الفقه بدون علم أصول الفقه أو قل أنه لو كان علم الفقه قد استغنى عن تطوّر علم أصول الفقه أو استغنى عن تحقيقاته العميقة لما أمكنه سد الفراغ و التصدي لهذا التحدي الذي أستغله أعداء الإسلام فترة طويلة استمرت إلى أن جاء السيد محمد باقر الصدر ( قدس ) و هذا يعني ما قام هو بنفسه من تعميق و تطوير لعلم أصول الفقه حتى أن السيد كاظم الحائري ( دام عزه ) يقول أن السيد محمد باقر الصدر أوصل الفقه إلى عصر ذروة الكمال ……..
و لم يكتف السيد محمد باقر الصدر في وضع هذا الأساس النظري المعمق لعلم أصول الفقه بل تجاوزه إلى مرحلة التطبيق و هو يقوم بسد هذا الفراغ الكبير و معالجة نقطة الضعف التي كانت تواجه الفقه الإسلامي بصورة عامة فأهتم السيد محمد باقر الصدر بتأسيس الأنظمة الإسلامية التي ترتكز على الفقه و الذي بدوره يرتكز على علم أصول الفقه ……. فقام بتأسيس المذهب الاقتصادي الإسلامي و هذا العمل يعتبر أعجاز و خارق للعادة فكان هو الرجل الأول الذي أستطاع أن يُجسّد و يبلّور المذهب الاقتصادي الإسلامي و قال السيد محمد باقر الصدر من الممكن تأسيس أكثر من مذهب اقتصادي إسلامي و كلها تتصف بالشرعية و ذلك استنادا إلى الاختلافات الفقهية التي تحصل بين الفقهاء و هذا يعني أن تأسيس المذهب الاقتصادي جاء نتيجة تعميمات و قواعد عامة مستقرئة من فتاوى فقهية التي هي بدورها ارتكزت إلى أصول الفقه …….
وكان هذا العمل و لازال ثورة فكرية إسلامية و خطوة مهمة لمواجهة ذلك التحدي و سد الفراغ الذي نتج عن التطور العلمي من جهة و عدم تصدي الفقهاء لبيان الأحكام بإزائه من جهة أخرى و كلنا يعلم أن عمر السيد محمد باقر الصدر قصير جداً و حجم المسؤوليات التي كان يتصدى لها كبيرة الأمر الذي حال بينه و بين الاستمرار في سد الفراغ و لكنه استطاع أن يضع الأساس النظري لذلك خصوصاً في علم أصول الفقه و الذي يدّلُ هذا القول ما جاء في بنود أطروحة المرجعية الصالحة و هي بيان الأحكام الشرعية في كل ميادين الحياة النظرية و العملية و كذلك ما جاء في مقالة له في مجلة الإيمان بعنوان (( الاتجاهات المستقبلية لحركة الاجتهاد )) و التي فسرّ من خلالها سبب انكماش موضوعات الفقه و تقلصها و الذي أشرنا إليه في هذا البحث بعنوان (( الفراغ الفقهي تجاه الحوادث )) و دعا إلى أن يكون الفقه شاملاً لكل الجوانب و الأصعدة )) …….
و بعد استشهاده ( قدس سره ) لم نجد صدى إصلاحاته العظيمة و دعوته إلى أن يستوعب الفقه كل جوانب الحياة
إلى أن جاء السيد محمد الصدر ( قدس ) و استطاع هذا المفكر العظيم و المرجع الأعظم أن يجعل السيد محمد باقر الصدر و ما دعا إليه من إصلاحات يجعلها حية و فاعلة و أكمل و أتم كل ما كان السيد محمد باقر الصـدر ( قدس ) سبباً لهمومه و هدفاً من أهدافه و لحسن التوفيق أن أول كتاب طُبع للسيد محمد الصدر بعد استشهاد السيد محمد باقر الصدر ( قدس ) هو (( فقه الفضاء )) و هو رسالة عملية فقهية لا يوجد لها نظير في الفقه الإسلامي بصورة عامة و الفقه الإمامي بصورة خاصة و لحد هذه اللحظة و ستظل مدة طويلة من الزمن و هي لوحدها كافية لإثبات أعلميه السيد محمد الصدر ( قدس ) في الفقه و في الأصول ونحن أسميناها عملية لأن السفر إلى الفضاء أصبح من الأمور الاعتيادية لدى الإنسان و خصوصاً رواد الفضاء مع أن الشريعة الإسلامية لا تختص بفئة دون فئة بل هي تشمل المسلم و الكافر و كذلك إذا تسنى لأحد المسلمين السفر إلى الفضاء و هو بحكم تبعيته للإسلام يكون ملزماً لممارسة العبادات فكيف و هو لا يجد فتاوى شرعية تحدد له كيفية الصلاة و سائر الأحكام الأخرى …… ونحن نعلم أن الفقهاء يفتون بنحو الاحتياط الوجوبي بحرمة السفر إلى مكان ما إذا كان فيه سبب لعدم القيام بالوظيفة الشرعية كما هو الحال في الدائرتين القطبيتين و من باب أولى يكون السفر إلى الفضاء من قبل المسلمين يكون محل منع و لو بنحو الاحتياط الوجوبي و بالتالي سوف يكون أمام المسلم عقبة أما بنحو أن لا يمتثل لتعاليم دينه أو أن لا يتقدم في العلم ، فجاءت رسالة فقه الفضاء حلاً و فتحاً مبيناً و السؤال الذي ينبغي أن يطرح
لماذا تمكن السيد محمد الصدر من تأليف هذه الرسالة العملية و عجز غيره من العلماء و المراجع في الحوزة و النجف الأشرف و قم المقدسة ؟
و يكون الجواب عن ذلك بعدة نقاط :
النقطة الأولى :
أعلميه السيد محمد الصدر في علم أصول الفقه حيث استطاع أن يستوعب المقاصد الحقيقية و النهائية لأستاذيه المحققين و أزاد عليها خطوة إلى الأمام و طرحها للفكر الأمامي يقول السيد محمد باقر الصدر في الحلقة الأولى من دروس في علم الأصول ما مضمونه أن الفقه كما يواجه مشاكل و صعوبات ( كما هو الحال في ما ينتج عن التطور العلمي ) يأتي علم أصول الفقه بالحل و العلاج عن طريق تأسيس القواعد و النظريات التي تمهد السبيل للفقيه في أن يطبقها لمواجهة هذه الصعوبات فعلم الأصول هو منطق علم الفقه .
و عمل أصول الفقه يمثل النظرية و علم الفقه يمثل التطبيق و لا يمكن أن يتم التطبيق بدون نظرية واضحة دقيقة بل كلما كانت النظرية عميقة كان التطبيق يستلزم دقة أيضا و من هنا يتضح أن علم أصول الفقه و علم الفقه مترابطان ترابطاً عضوياً غير قابل للأنفكاك و لا معنى بعد هذا إلى القول بأن الأعلم بالفقه هو الأعلم على الإطلاق و ليت شعري لماذا عجز كل من يدعي هذا القول على فرض انه فعلاً أعلم بالفقه ( تنزلاً ) لماذا عجز عن تحديد فقه الفضاء و غيره من المستحدثات و لماذا نجد التوقف عندهم في كثير من المسائل و عدم القدرة على تشخيص الحكم الشرعي لو كانت لديهم أعلميه بالفقه و كيف يمكن أن نتصور أعلميه بالفقه بدن اعلميه في أصول الفقه وأن فقه الفضاء و غيره من المستحدثات تفرّد بها السيد محمد الصدر و عجز غيره عنها السبب هو أعلميته بالأصول و عمق تحقيقاته التي زوّدت الفقه بنظريات ذللت أمامه الصعاب
النقطة الثانية :
وكذلك يمكن القول أن السبب في ذلك أي تفرد السيد محمد الصدر في فقه الفضاء و فقه الطب و فقه الموضوعات الحديثة و فقه الدائرتين القطبيتين و فقه العشائر …….. الخ
هو أيضاً اعلميته في الفقه و ذلك بسبب دقته في التطبيق فهو في علم أصول الفقه لديه عمق في النظريات و في الفقه يستلزم هذا العمق الأصولي دقة تتناسب مع ذلك العمق …….
و لذلك نجد أن البحوث الاستدلالية الفقهية للسيد محمد الصدر ( قدس ) ليس لها نظير إطلاقا من حيث الدقة و اللطافة و الشمول
النقطة الثالثة :
و هي أيضا ميزة للسيد محمد الصدر ( قدس ) أخذها من أستاذه العظيم محمد الصدر ( قدس ) و هي ما كان يلزم به طلابه بأن أي مسالة شرعية إذا توقف استنباط الحكم الشرعي على قضية علمية في الفيزياء أو الكيمياء أو الفلك أو أي مقدمة فينبغي أن يكون الفقيه مجتهداً في تلك المسألة و هذا مسلك جديد يتبناه السيد محمد باقر الصدر ( قدس ) و بالتالي يُعتبر العلاج المؤثر إضافة إلى ما ذكرناه بخصوص علم أصول الفقه أمام هذه الصعوبات التي تواجه الفقه …….
و لذلك يلاحظ أن السيد محمد الصدر له اطلاعات و تخصصات متعددة في موضوعات و علوم و ثقافات متعددة و خير شاهد على ذلك هذا الفقه الذي أنفتح على موضوعات متعددة كالفضاء و الدائرتين و الطب و الموضوعات الحديثة ……وكذلك كتابه العظيم ( موسوعة ما وراء الفقه ) نجد أن السيد محمد الصدر غطى كل العلوم التي ترتبط بالفقه ارتباطا ثانوياً و نجد هذا التعدد في العلوم واضحاً في الكتاب
النقطة الرابعة :
أن السبب في ذلك ما يعتقده السيد محمد الصدر ( قدس ) في وجوب نصرة الدين و نشر شريعة سيد المرسلين و البرهنة على ربانية الشريعة و إثبات ما جاء في القرآن الكريم ((ما فرطنا في الكتاب من شيء )) و كذلك ما جاء
ما من واقعة إلا و لها حكم و هذا كله يندرج تحت عنوان إقامة الحجة على الناس
أن موضوعات الفقه في زمن الصدرين أنفتحت و اتسعت و هجرت ذلك الانكماش الذي كان يعانيه و لا زال السيد محمد الصدر ( قدس ) بما قدّمه من بيان الأحكام الشرعية في الحقول المتعددة فريداً من نوعه هذا يعني أن جميع المسلمين و جميع أنباء المذهب من مقلدين و مجتهدين عجزوا عن الكثير من المستعصيات و سواء كان المقلدين يقلدوه أم يقلدوا غيره ينبغي لهم الرجوع إلى هذه الفتاوى التي تخص هذه الجوانب المهمة و لذلك صح منا القول حينما نطلق على السيد محمد الصدر بأنه مجتهد المجتهدين و مرجع المراجع أجمعين
وعلى سبيل المثال لو كان أحد المراجع الكبار ( أدام الله ظلهم ) الشريف قد صادف أن يسافر إلى الفضاء أو يذهب إلى إحدى الدائرتين القطبيتين ماذا يصنع ؟ هل يعمل باجتهاده أن اجتهاده وفقهه لا يعيّن له لا الحكم الشرعي ولا الموقف العملي و مادام أن هناك فقيهاً قد أفتى وحدد الوظيفة الشرعية فيلزم هذا المجتهد أن يقلد السيد محمد الصدر في هذه المسائل و أن لم يفعل فهو المقصر أمام الشريعة و أمام الله و هذا وحده كافٍ لإثبات أعلميه السيد محمد الصدر في الفقه و الأصول نُقسم بالله على ذلك كما قسم السيد محمد الصدر بالله على ذلك ( أي على أعلميته )
ورد أن الفقهاء يفتون بأن الدائرتين القطبيتين هي عبارة عن ستة اشهر ليل و ستة اشهر نهار و هذا يعني من قولهم عدم جواز السفر إليها
و لكن السيد محمد الصدر استطاع أن يثبت خلاف هذا القول كما جاء في كتابه العظيم ما وراء الفقه الجزء الأول القسم الثاني حيث استطاع أن يحدد الوضع هناك و أثبت أن الليل فقط شهر واحد و النهار شهر واحد و باقي الأشهر العشرة يختلف الحال من وقت إلى آخر باختلاف الأشهر و دوران الأرض و لم يكتف بذلك استطاع أن يحدد الأوقات الشرعية و الوظيفية من حيث الصلاة و الصوم و القبلة ……. الخ و هذا البحث يعتبر رسالة عملية فريدة و نفس الأسباب التي اعتبرناها جواباً عن سؤال لماذا عجز الآخرون عن مثل هذه الموضوعات ؟
ولا حاجة إلى التكرار مع أن موضوع الدائرتين لا يحتاج السفر إليه إلى مركبة فضائية و يكون من السهل على أي إنسان السفر إلى ذلك المكان فتكون في محل الابتلاء الفعلي لدى الكثير من المسلمين كما لا يخفى ذلك
و هذا رد على المستشكل حينما يعترض على الفضاء نحن لسنا إليه و تحديد أحكامه مع أن هذا القول باطل من أساسه و إقرار بالعجز واضح و لكن ماذا يجيب المستشكل في موضوع الدائرتين القطبيتين و ماذا يجيب المستشكل على فقه الطب و فقه الموضوعات و غيرها …..
وماذا نجيب نحن لأعداء الإسلام والكفرة حينما يقولون أن دينكم عاجز عن تحديد القوانين و التشريعات بل أن التطور العلمي هو بحد ذاته بديلاً عن الدين و الشريعة بماذا نجيبهم طبعاً نقدم لهم فقه الفضاء و اقتصادنا و القانون الإسلامي الذي آلفه السيد محمد الصدر و الدستور الإسلامي والإسلام يقود الحياة للسيد محمد باقر الصدر ( قدس ) و جميع المؤلفات التي قام بها هذين العظيمين ( قدس الله روحهما ) روحهما و جميع المؤلفات الإسلامية التي تندرج تحت هذا العنوان
فيا أيها الناس و يا أيها المسلمون و يا أيها المؤمنون عليكم بالتمسك بهذا التراث العظيم من العلم و المعرفة الدينية التي تركها لنا الصدران المقدسان فينبغي علينا أن نتعلمها و نعلمها و نحييها لأنها الركيزة الأساسية للوعي الإسلامي
و الحمد لله رب العالمين —