23 ديسمبر، 2024 9:25 ص

السيد السيستاني الوجه الآخر لولاية الفقيه

السيد السيستاني الوجه الآخر لولاية الفقيه

الولاية لغة حسب موارد استعمالها هي نحو من القرب يوجب نوعاً من حق التصرف ومالكية التدبير، كالقرب الحاصل بين النبي أو الإمام وبين المؤمنين فأنه يوجب للنبي أو للإمام حق الحاكمية فيهم وتدبير أمورهم على وفق شريعتهم، وهكذا سائر موارد الولاية كولاية العتق والحلف والجوار والطلاق والعهد والنصر والإرث … الخ. والمراد بالولاية هنا هو الحاكمية، السلطة، القيادة، تدبير شؤون الأمة وما شابه هذه المعاني.
وولاية الفقيه هي مصطلح فقهي قديم في الفقه الشيعي الاثني عشري منذ بدايات الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر المهدي المنتظر، حيث يعتبرها بعض الفقهاء ولاية وحاكمية الفقيه الجامع لشرائط الفتوى والمرجعية الدينية المعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية في عصر غيبة الإمام الحجة، حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإدارة شؤونها والقيام بمهام الحكومة الاسلامية وإقامة حكم الله على الأرض.
وليس المقصود من ثبوت الولاية العامة للفقهاء كونهم كالنبي والامام أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فالولاية بمعنى الأولوية من النفس انما ثبتت للنبي والامام بالنص الصريح، أما المنصرف الى الذهن عرفاً من ادلة الولاية ـ سواء في ولاية الأب على الأولاد أو في ولاية الفقيه على المجتمع أو غير ذلك ـ فهو الولاية في حدود تكميل نقص المولّى عليه وعلاج قصوره.والمراد بالفقيه هو الرجل العالم بالفقه والمعارف الإسلامية، والحائز على درجة الاجتهاد والاستنباط في الأحكام الشرعية.

وإذا أريد به أن يكون قائداً وولياً للأمة لابد أن يتصف بشروط أخرى أهمها: العدالة والتقوى العالية، الشجاعة وعدم رضوخه للأوهام، الخبرة السياسية، العلم بالقانون، القدرة على إدارة وتدبير شؤون الأمة، الاطلاع على أوضاع الأمة وتحمل همومها، قبول الأمة به واختياره قائداً لها.أما المقصود من ولاية الفقيه في الاصطلاح الفقهي هي: النيابة العامة للفقيه الجامع للشرائط عن الإمام المعصوم في زمان الغيبة لقيادة الأمة الإسلامية وتدبير شؤونها في جميع ما كان للمعصوم عليه ولاية في غير مختصاته وبشرط وجود المصلحة. أي ولاية عامة في جميع شؤون الأمة، تلك الولاية التي كانت للإمام المعصوم في زمن حضوره، وهي رئاسة الدين والدنيا، ومن ثم فله ما كان للإمام من وظائف دون أن يشارك المعصوم في مختصاته وبشرط وجود المصلحة في فعله، والتي منها السعي لإقامة الحكم الإسلامي وسيادته على البلاد في حقيقته الأصيلة والمحافظة على المصالح العامة سياسياً وأخلاقياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعيا وما شاكل ذلك، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقيام دون تسرب الفساد إلى المجتمع الإسلامي، سواء كان خطراً يهدد كيان الإسلام، أم يطيح بسلامة الأخلاق العامة والقيام ببث الدعوة خارجياً وداخلياً بالسعي وراء تنشيط الوعي الإسلامي في نفوس المسلمين. ومنها سد الثغور والأمر بالجهاد والدفاع وعقد الصلح وقبول الهدنة، وتقسيم الغنائم. ومنها أخذ الزكوات والأخماس وتولية أمر القصّر والغيّب والأوقاف العامة وتجهيز من لا وليّ له ووراثة من لا وارث له. ومنها إقامة الجمعة والجماعات وتعيين أئمتها. ومنها تعيين قضاة العدل والمراقبة على أعمالهم بإجراء الحدود. ومنها التصدي لإصدار أحكام (تعرف بالأحكام السلطانية أو الولائية) في مواقع ضرورية حفاظاً على منافع المسلمين. ومنها القضاء والإفتاء وتصدي للأمور الحسبية كل ذلك من باب ولايته على هذه الأمور.ما معنى نظرية الحسبة في ولاية الفقيه؟ وهل يرى السيد السيستاني دام ظله ولاية الفقيه؟ يعني ان القدر المتيقن عليه من ولاية الفقيه هو الامور الحسبية، اي التي يؤتى بها احتسابا للأجر، والمراد بها ما لا يرتضي الشارع بتركها بوجه ولم يوظف لها شخص معين او جهة معينة شرعا كرعاية مصالح الغيب والقصر واجبار الممتنع، وتولية الاوقاف ووصية من لا وصي له، وهكذا…والولاية فيما يعبّر عنها في كلمات الفقهاء (رض) بالأمور الحسبية كما جاء في تعريف سماحة السيد السيستاني من موقعه: تثبت لكل فقيه جامع لشروط التقليد، واما الولاية فيما هو اوسع منها من الامور العامة التي يتوقّف عليها نظام المجتمع الاسلامي فلمن تثبت له من الفقهاء، ولظروف إعمالها شروط اضافية ومنها ان يكون للفقيه مقبولية عامة لدى المؤمنين.من هنا عرفنا أن ولاية الفقيه المطلقة تختص بالمعصوم دون غيره، وولاية الفقيه العامة تختص بالفقيه الجامع لشرائط التقليد الذي تتوفر فيه شروط القيادة ومقبولية الأمة، وهي التي تبناها السيد الخميني سابقا والسيد الخامنئي حاليا، ونظرية الحسبة في ولاية الفقيه التي تتبناها حوزة النجف الأشرف وعلى رأسها السيد السيستاني، وتعلل عدم تبنيها لولاية الفقيه العامة من أن رجل الدين ينبغي أن لا يلوث سمعته بدهاليز السياسة التي تتطلب الكذب والمراوغة والنفعية الخاصة وهي تتعارض عموما ومبادئ الدين الحنيف، ومعلوم أن ولاية الفقيه العامة التي تسعى إلى تطبيق حكم الله في الأرض ورئاسة الدين والدنيا معا تكون أوامرها الزامية ومولوية، وهذا يتطلب وجود محاكم وقوة وموارد مالية ضخمة، وهذه المقومات تتوافر حاليا في الجمهورية الاسلامية في ايران لأنها مبسوطة اليد، بعد أن تبنت ولاية الفقيه كبديل للنظام الملكي الشاهنشاهي بعد ثورة السيد الخميني في عام 1979م أما السيد السيستاني الذي يتبنى نظرية الحسبة وهي مقتصرة على تولية الأوقاف ووصية من لا وصي له، فإن نطاقها محدود وأوامرها ارشادية، حالها حال الأوامر التي يصدرها الطبيب للمريض إن عمل بها نجى وبرء وإن تخلف عنها هلك ومرض، ونستطيع القول ان السيد السيستاني يؤمن بولاية الأمة على نفسها ولكن بتوجيهات المرجعية الارشادية للشعب والساسة بما يمكنهم من اصلاح العباد والبلاد، وهو يختلف تماما عن ولاية الفقيه العامة التي يكون مساحة الحكم فيها للفقيه كبيرة تشمل أمور الدين والدنيا كما عرفت سابقا.
والذي يرمي بالمشاكل من فساد وارهاب وانعدام الخدمات التي تسبب بها ساسة العراق بعد التغيير عام 2003م يرميها في ساحة السيد السيستاني، فإنه واهم ولا خبرة له في السياسة ولا كياسة له في الأمور الاجتماعية والدينية والثقافية، ويبرر عادة موقفه بان السيد السيستاني قد خالف المحتل الأمريكي وأصر بضرورة كتابة الدستور بأيد عراقية وتشكيل حكومة منتخبة من قبل الشعب تمثل كافة شرائحه وقومياته وطوائفه، وهذا لعمري منقبة للسيد لا مثلبة عليه، اضافة إلى انه قد اختلط على هذا المتوهم مفهوم ولاية الفقيه الملزمة التي يتبناها السيد الخامنئي بولاية الحسبة الإرشادية التي يتبناها السيد السيستاني، وشتان ما بين النظريتين ففي الأولى يتعرض المخالف للمسائلة القانونية وربما السجن والإعدام أما في الثانية فإنها ارشادية تسعد الأمة وتزدهر البلاد في حالة الأخذ بها من قبل المتصدين وتشقى الأمة وتنهار البلاد في حالة الإعراض عنها من قبلهم، ويمكن اعتبارها الوجه الآخر لولاية الفقيه العامة.أما ما حصل بعد التغيير حيث أن السياسيين العراقيين لم يأخذوا بنصائح المرجعية التي بحت اصواتها وهي تصرخ فيهم بضرورة الإصلاح والسلم والتعايش الأهلي وتوفير الخدمات واستتباب الأمن، بيد أنه لا مجيب لدعواتها المخلصة ولا مغيث لنداءاتها المتكررة، فأغاروا على بيت المال وقسموا الغنيمة على أساس المحاصصة الحزبية والطائفية وتركوا الشعب فريسة للفقر والارهاب وانعدام الخدمات، فأضحى العراق وبفضل عدم امتثالهم لتوجيهات المرجعية السديدة، وبالرغم من ثرائه المعنوي والمادي من افقر دول العالم، وتبوأ المراكز الدنيا في التطور والنزاهة والرفاه، والمراكز العليا في الفساد والاهمال والتخلف، حسب ما ذكرته الهيئات العالمية مؤخرا من احصاءات تعنى عادة بموجبات التطور في البلدان ومسببات التخلف فيها.