18 ديسمبر، 2024 10:06 م

مبعثرة أيامي كأشياء طفل أرعن… أو كشظايا مرآة متكسرة… أراني أسف الأرصفة متسكعا أزقة مظلمة مكبات النفايات هي العامل المشترك فيها… أووه لقد نسيت و المشردين أمثالي يقبعون الى جانب تلك الحاويات ظنا منهم أنها منتجعات ترفيهية يسامرون شياطين الزندقة الذين تفشت سيرهم وصاروا على شكل بشر… لا أحفل بكل ذلك !! المهم أني امسك بما تبقى من زجاجة الخمر التي حصلت عليها ملقاة على جانب الطريق.. أُسرع في خطاي لربما رغب فيها من القاها.. ما ان أدخل الزقاق حتى ألثم فم الزجاجة كأنه حلمة ثدي أمي التي لم ترضعني، لكني أتخيل ذلك أمتصها حتى اشعر بأنها تدفعني الى الوراء بعد ان جف ضرعها كما هي ايامي التي أعيش… فأنا و منذ متى لا ادري كيف دارت عجلة الزمن وحولتني الى متشرد يجوب الطرقات؟!! ما ان يأتي شيطان الليل متبخترا وهو يتطلع الينا نحن المشردين القابعين في تلك الأزقة او تحت الجسور أو حتى المقابر… عادة ما اسير بعيدا عنه أحاول ان استدل طريقي بالضياء الذي ينبعث من تلك الأعمدة الخافتة التي تشبه أضوية باب الكنيسة التي أمر من امامها كونها في الطريق المؤدي الى مكان حاويتي التي اقبع الى جانبها… في مرات ارى القسيس وهو يغلق الباب بعد انتهاء المراسيم أو ربما ليسرق نظرة ليرى هل هو آمن في بيت الرب؟ فبعد ان اختلفت معايير الإيمان عند الناس و الشياطين تمسك بزمام الأمور لم يفلح الإيمان في المخافة من العقاب… دون سابق إنذار رايته يدنو من حافة درجات باب الكنيسة قائلا:
عمت مساءا بني العزيز
أخذت ألتلفت حولي ثم اشرت بأصبعي إلى نفسي مستغربا!! هل تعنيني أنا؟؟؟
نعم أنت… كيف حالك يا بني؟؟ إن بيت الرب يناديك
فرددت بإستغراب أشد!! ما لي والرب اصلا فما بالك في بيته، يبدو انك يا هذا تقصد غيري إليك عني ودعني امضي الى سبيلي
أنتظر للحظة… ألست أنت ماكغواير؟؟
ما اشد دهشتني من أين له ان يعرف اسمي!!؟ فأجبت نعم أنا هو
إذن أنت المقصود… منذ فترة و انا ارقبك تقريبا في نفس وقت اغلاق باب الكنيسة مساء تأتي من نفس الطريق… أجدك تقف لِلحظات أمام الباب تتطلع و تشخص فيها ثم تمضي، لا اعلم لماذا تفعل ذلك؟؟ لا اخفيك كنت أتوجس خيفة منك، لكن وبعد أن جائتني في المنام السيدة وليس لمرة واحدة بل ثلاث مرات تقول لي أدعو ماكغواير الى بيت الرب إنه إنسان صالح… بداية تجاهلت الامر فأنا لا اعرف من يكون ماكغواير هذا الذي تدعونني ان اتحدث إليه، حتى استخبرت منها عنك وقد وصفتك بدقة شديدة و لفتت انتباهِ الى الوقت الذي تمر فيه امام الكنيسة كذلك وقوفك امامها…
توقف يا هذا إني لا افهم ما قلت!؟ و من هي السيدة التي تدعونني الى بيت الرب أهي تعرفني من قبل؟؟
بني يبدو ان بذرتك مباركة فالسيدة لا تدعو أيا كان… إني أقصد السيدة العذراء و لا اعلم لم انت بالذات! فأنا واقسم إني لم أحظى بشرف رؤيتها منذ أن تسلمت زمام إدارة هذه الكنيسة او أثناء خدمتي في كنائس أخرى… إن حظي قد ابتسم لي واستطعت ان أراها لكن حظك اسعد فقد دعتك بالاسم .. يعني ذلك ان لك عندها حظوة
ايها الرجل الى الآن لم تفهم أو أني انا الذي لا يفهم مالذي يدور!! بالتأكيد أنك واهم.. فأنا لا اعرف بيت الرب او حتى الرب نفسه الذي تقدسه فما بالك بالسيدة العذراء، قضيت عمري أتلاطم مع امواج الزمن الذي حطم كل الصواري التي كانت تمسك بأشرعة الأمل و الطموح الذي كان يحدوني كإنسان، لم أؤمن قط برب او ابن رب أو ايا من تلك الآلهة التي يعبدها الناس، فأنا أعبد من يطعمني ويجعلني أشعر بإنسانيتي، هيا ادخل بيت ربك ودعني الى ربي الذي اعرف..
ابتعد مكغواير وهو يتمتم يا لك من رجل دين ماكر… بتلك الاشياء استطعتم ان تسيطروا على عقول السذج والمغفلين من الناس… السيدة العذراء تدعوك يا لها من حيلة!!؟ فمن اكون حتى تدعوني!؟ والى ماذا الى بيت الرب؟!!! الييت الذي لم يرعى القائمين عليه بالعناية بوالدي حين مات و بوالدتي التي لحقته بعد ان كانت من المواظبين على الصلاة وتقديم القرابين والاعمال التي تقدمها خدمة للرب وبيته… ماتت ولم يكن للبيت او الرب اي يد في مراسيم دفنها… ذهبت خدماتها وصلاتها سدى… حتى المشردين لم يحظوا بالعناية من الكنيسة او الرب الذي يقبع فيها إلا لأغراض خافية…
أخرج زجاجة الخمر التي ابتاعها بعد ان استجدى ثمنها من عابري سبيل… ينظر إليها و الى الشطيرة التي اراد ان يحتفل بأكلها وهو يترع من خمر تلك الزجاجة، شعر بقشعريرة غير اعتيادية الى جانب نسيم هواء بارد جعله يغشى عليه فرأى والدته وقد حفها الضياء من كل جانب وهي تبتسم إليه قائلة:
حبيبي مكغواير إني بخير بني وسعيدة.. اقسم لك أني اعيش بسعادة وانا هنا مع الكثير من رعايا السيدة العذراء هيا تعال حيث تدعوك، اترك ما انت فيه أعدك في الغد ستجد من يغير حياتك شرط ان تكون من ابناء الرب… إني بإنتظارك
خرج عن غشيته منتفضا وهو يصرخ… أي جنون يركبني اللحظة!! تطلع الى الزجاجة مستغربا يقول إني لم اسكر بعد، يبدو اني اشعر بالجنون أخرج رأسه نظر الى زاويتي الزقاق لم يكن هناك سوى حشرجات وكلاب تبحث عن ما يسد رمقها، عاد حيث كان… ليكن يا أمي ما تقولين لكني الآن اريد اعيش لحظة الاحتفاء برؤيتك بخير أتمنى لوالدي المثل…
في ضحى اليوم التالي سار الى المكان الذي اعتاد ان يستجدي المارة فيه… فوجد ذلك القسيس الذي ما ان رآه حتى اتجه إليه مستقبلا إياه… قائلا:
أتمنى ان تكون بخير هذا النهار بني ماكغواير.. هيا تعال معي الى داخل الكنيسة اتمنى ان تجد ما يطمئنك و يريح نفسك…
اسمع يا سيد لربما ما قلته بالامس و ما سمعته ورايت من والدتي يعني بعض الشيء لي، لكني لست ممن يطيق ان يجثو على ركبتيه طالبا الغفران من خطايا ما كانت لو كان الرب الذي تعبد قد أتاح لي فرص العيش الكريم كما غيري من البشر… لا تحدثني عن الإيمان او الاختبار، إني يا هذا قد امتلئت من ترهات ما كنت اسمعه ممن هم على شاكلتك، هيا ابتعد عد الى صومعتك وخذ بكل ما تريد الى حيث تريد…. دعني اعيش حياتي و اعبد الرب الذي اعرف، ذاك الذي يراني أتلحف الى جوار حاوية النفايات وهو لا يحرك ساكنا، إرتضيته ربا مهملا كسولا وأرتضاني أن اكون من عبيد الأزقة الذين يتطلعون الى عطايا بشر يدخلون بيته لكن ما ان يخرجون حتى يعيثوا فسادا ويزدادون شرورا… لا تقنعني فأنا أعرف الرب الذي تدعونني إليه، إنه رب صلب ودق جسده بالمسامير ولم يحاول إنقاذ نفسه… ترى ماذا يمكنه ان يفعل لي؟!! أما تلك السيدة التي تقول عنها فلابد أنها شعرت بمعاناة، ارادت مني مجازاة لما قامت به والدتي ان تقدم المساعدة عن طريقك او عن طريق بيت الرب… يا هذا كل بيوت الرب ماعادت آمنة بعد ان تسلطت الارباب البشرية وراحت تبني قصورا افخم من بيوت الرب، فهناك من يعبدهم و يبجلهم أكثر من الرب الذي تعبد إنهم بإختصار يا هذا عبيد الحاجة وعبيد المال… هيا عد من حيث أتيت فأنا وربك طرقنا لا تلتقي ابدا حتى لو مدت السيدة العذراء يدها للمساعدة إنه زمن أرباب الشياطين.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي