22 نوفمبر، 2024 10:16 م
Search
Close this search box.

السيدة فاطمة (عليها السلام) ووظيفتها في التصدي لأصحاب السقيفة

السيدة فاطمة (عليها السلام) ووظيفتها في التصدي لأصحاب السقيفة

الايام القليلة التي تلت وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) كانت أخطر ايام تمر بها رسالة الإسلام ومن ثم الأمة الإسلامية ، فعملية الإنقلاب التي تمت في سقيفة بني ساعدة وإزاحة الخليفة الشرعي المعين من الله سبحانه وتعالى في بيعة الغدير عن قيادة الأمة ، لم تكن مكتملة ما لم يُسَيطر على شارع المدينة بشكل كامل وإبعاد كل من يرفض نتائج هذا الإنقلاب حتى وأن تطلب الأمر القتال ، وهذه السيطرة لا يمكن أن تتم إلا بقبول الإمام علي عليه السلام بهذه النتائج لأنه المستهدف الوحيد بهذا الإنقلاب ، وهذا يجب أن يتم حتى وأن تطلب الأمر بقتله وهذا ما كان يريده القوم وهو قتل الإمام علي عليه السلام ( عن عديّ بن حاتم وعمرو بن حريث ، قال واحد منهما : ما رحمت أحداً كرحمي علي بن أبي طالب ، رأيته حين أتي به إلى بيعة الأوّل ، فلمّا نظر إلى القبر قال : يا ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني !فقال : بايع ، فقال : إن لم أفعل ؟ قال إذاً نقتلك ! قال : إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسول الله ….. )…( 1)

، فعملية قبول الإمام علي عليه السلام بنتائج الإنقلاب وإعطاء الشرعية له عملية مستحيلة وعظيمة كعظمة إيمانه وذوبانه في عبادته لله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يتقبلها الإمام علي عليه السلام بأي حال من الأحوال ، لأن وصية رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كانت تأمره بالصبر لا بإعطاء البيعة (فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران، معهما الملائكة المقرّبون لأُشهدهم عليك فقال: نعم، ليشهدوا وأنا – بأبي أنت وأُمّي –أشهدهم ، فأشهدهم رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان في ما اشترط عليه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأمر جبرئيل(عليه السلام) في ما أمر الله(عزّ وجلّ) أن قال له: يا عليّ تفي بما فيها من موالاة مَن والى الله ورسوله، والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله، والبراءة منهم، على الصبر منك، وعلى كظم الغيظ، وعلى ذهاب حقّك، وغصب خمسك، وانتهاك حرمتك؟ فقال نعم يا رسول الله ……(2).

فعملية القتل لا محال يجب أن تقع لولا قيام السيدة فاطمة (عليها السلام) بوظيفتها وبدورها الرسالي المقدس في هذه الايام الخطيرة وتحملها لكل أعباء الرسالة ، فدور السيدة فاطمة (عليها السلام) في هذه الفترة من ألحلقات المهمة للرسالة المحمدية ، فلولا هذه الحلقة لما كان هناك إسلام ولا كان هناك إله يعبد حق عبادته وكما أراد الله أن يعبد ، فكل الذي قامت به الزهراء عليها السلام وتصديها لمواجهة القوم إبتداءاً من فتح الباب وما جرى من كسر الضلع وإسقاط الجنين (وقد ذكر الشهرستاني في كتاب الملل والنحل : أنّ النظام نقل أنّ عمر ضرب بطن فاطمة ذلك اليوم حتّى ألقت المحسن من بطنها وكان يصيح : أحرقوها بمن فيها. (3) وفي روايات أهل البيت عليهم السلام : أن عمر دفع باب البيت ليدخل وكانت فاطمة وراء الباب ، فأصابت بطنها ، فأسقطت من ذلك جنينها المسمّى بالمحسن ، وماتت بذلك الوجع. وفي بعض رواياته : أنّه ضربها بالسوط على ظهرها. وفي رواية : أنّ قنفذ ضربها بأمره .. الخ )

والخروج خلف أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن أخذه القوم للمبايعة مسحوباً بحمائل سيفه وإرجاعه منهم بدون أن يبايع القوم (عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال : « لما استُخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزله خرجت فاطمة صلوات الله عليها خلفه ، فما بقيت امرأة هاشميّة إلّا خرجت معها ، حتّى انتهت قريباً من القبر فقالت لهم : خلّوا عن ابن عمّي فوالذي بعث محمّداً أبي بالحقّ إن لم تخلوا عنه لأنشرنَّ شعري ولأضعنّ قميص رسول الله على رأسي ، ولأصرخنّ إلى الله تبارك وتعالى ، فما صالحٌ بأكرمَ على الله من أبي ، ولا الناقةُ بأكرم منّي ، ولا الفصيلُ بأكرم على الله من ولديَّ !

قال سلمان رضي الله عنه : كنت قريباً منها ، فرأيت والله أساس حيطان مسجد رسول الله تقلعت من أسفلها ، حتّى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ ، فدنوت منها فقلت : يا سيّدتي ومولاتي إنّ الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمةً فلا تكوني نقمة ، فرجعت ورجعت الحيطان حتّى سطعت الغبرة من أسفلها ، فدخلت في خياشيمنا )(4)

وإلقاء الخطبة الفدكية في المسجد وأمام قادة الإنقلاب وجميع المسلمين والمطالبة بحقها من أرض فدك وإرثها وإظهار مظلومية أمير المؤمنين عليه السلام والتذكير بفضائله ومواقفه وتملص الأمة من بيعتها له في غدير خم (روى عبد الله بن الحسن بإسناده ، عن آبائه عليهم السلام أنّه لما أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة عليها السلام فدكاً وبلغها ذلك ، لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لُمَّة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ، حتّى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ، فجلست ثم أنّت أنَّةً أجهش القوم لها بالبكاء ، فارتجَّ المجلس ! ثمّ أمهلت هنيئة حتّى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم ، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم فعاد القوم في بكائهم ، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها …) (5)

والدوران على بيوت الأنصار والمهاجرين أربعين صباحاً والتحدث مع اصحابها وطلب المساعدة منهم في استرجاع الحقوق والخلافة ( من حديث فدك : « ثمّ خرجَتْ وحَمَلها عليٌّ على أتان عليه كساء له خمل ، فدار بها ـ أربعين صباحاً ـ في بيوت المهاجرين والأنصار والحسن والحسين معها وهي تقول : يا معشر المهاجرين والأنصار أنصروا الله فإنّي ابنة نبيّكم ، وقد بايعتم رسول الله يوم بايعتموه أن تمنعوه وذريّته ممّا تمنعون منه أنفسكم وذراريكم ، ففوا لرسول الله ببيعتكم ! قال : فما أعانها أحد ولا أجابها ولا نصرها ! قال : فانتهت إلى معاذ بن جبل فقالت : يا معاذ بن جبل إنّي قد جئتك مستنصرة وقد بايعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على أن تنصره وذريّته وتمنعه ممّا تمنع منه نفسك وذريّتك ، وأنّ أبا بكر قد غصبني على فدك وأخرج وكيلي منها )( 6) والبكاء ليلاً ونهاراً ( واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين فقالوا له : يا أبا الحسن إنّ فاطمة تبكي الليل والنهار فلا أحد منّا يتهنّأ بالنوم في الليل على فرشنا ، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا ، وإنّا نخبرك أن تسألها إمّا أن تبكي ليلاً أو نهاراً)( 7) ورفض تشيعها ممن ظلمها وتقاعس في نصرتها وإخفاء قبرها عن جميع المسلمين (فقالت : يا ابن عمّ إنّه قد نعيت إلى نفسي لأرى ما بي لا أشك ، إلّا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة ، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي. قال لها علي : أوصني بما أحببت يا بنت رسول الله …

ثمّ قالت : أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقّي فإنّهم أعدائي وأعداء رسول الله ، وأن لا يصلّي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم ، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار.)( 8)

، كل هذا فعلته الزهراء عليها السلام من ضمن وظيفتها الشرعية وأداء دورها الرسالي من أجل الحفاظ على صاحب الولاية الكبرى أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن ثم الرسالة المحمدية السمحاء ، اي دور السيدة فاطمة عليها السلام كان محوري وحلقتها كانت من أهم الحلقات ووظيفتها كانت أخطر الوظائف ، فلولا هذه الحلقة لم تكن هناك رسالة ولا كانت هناك ولاية وهذا يظهر جلياً من خلال هذه الأحاديث الشريفة ، الحديث القدسي ( يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما) (9)وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)(…. وأنّ الله تبارك وتعالى اطَّلع إلى الأرض إطلاعة فاختارني من خلقه فجعلني نبيّاً ، ثمّ اطلع إلى الأرض إطلاعة ثانية فاختار منها زوجك ، وأوحى إليَّ أن أزوّجك إيّاه ، واتّخذه ولياً ووزيراً ، وأن أجعله خليفتي في أمّتي. فأبوك خير أنبياء الله ورسله ، وبعلك خير الأوصياء ، وأنت أوّل من يلحق بي من أهلي.

ثمّ اطَّلع إلى الأرض إطلاعة ثالثة فأختارك وولديك ، فأنت سيّدة نساء أهل الجنّة وابناك حسن وحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة كلّهم هادون مهديّون)(10) ، وقال الإمام الباقر (عليه السلام) (ولقد كانت مفروضة الطاعة على جميع من خلق ألله من الجن والأنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة)( 11 ) وقال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ( نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة علينا) (12) وقال الإمام الحجة (عج) (وفي أبنة رسول الله (صلى الله عليه واله )لي أسوةٌ حسنة)(13) وقال الله سبحانه وتعالى في حديث الكساء عندما أراد أن يُعَرف الملائكة بمن تحت الكساء فكان محور أو قطب التعريف هو فاطمة (عليها السلام) ( هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ) (14) .

فقد تصدت الصديقة الكبرى (عليها السلام) بشكل مباشر لدور القيادة في الأيام التي عاشتها بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ، حتى تبعد القتل عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وتظهر حقيقة هذه القيادات بطرق لا يمكن للعاقل أن يتجاهلها أو يتغافلها ، حتى اصبح الدور الذي قامت به الصديقة الكبرى (عليها السلام) من أهم الأدوار في إظهار زيف وكذب ونفاق وكفر قادة انقلاب السقيفة لجميع الأجيال في مختلف الأزمان بل أظهرت عاقبتهم السيئة التي توعد بها القرآن لهم قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني) (15) قال الله سبحانه وتعالى ( والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) (16) ونهى عن توليهم وإتباعهم قال الله سبحانه وتعالى ( يا ايها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور)( 17)، وكانت وظيفة الصديقة الكبرى (عليها السلام) تتبلور في أمرين أحدهما أهم من الأخر :

الأول : مواجهة القوم الذين تعدوا على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالأمس واتهموه بأنه يهجر ومن قبل حاولوا قتله وإنقاذ صاحب الولاية الكبرى (عليه السلام) منهم وحمايته من القتل حتى أن تطلب الأمر فداء النفس من أجله وهذا ما حدث بالفعل فكان كسر الضلع وإسقاط الجنين والاستشهاد .

الثاني : إظهار حقيقة القيادات التي قادت انقلاب السقيفة والذين تخاذلوا في نصرة أمير المؤمنين عليه السلام ، حتى أصبحت فاطمة (عليها السلام) المرآة التي تعكس الصورة الصادقة الواضحة للأجيال عن أخطر أحداث مرة بها الأمة الإسلامية أدت الى انحراف الأمة عن طريق الهدى والولاية الكبرى ، حتى أصبحت الصديقة الكبرى (عليها السلام) الشعلة التي يهتدي بها كل من يطلب الحقيقة وطريق الهدى والحق الذي أراده الله لعباده وبلغ به رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، بل هي أقصر الطرق وأقواها وأكثرها وضوحاً لمعرفة الحق ورفض الباطل وأهله عبر الزمان والأجيال .

فقد ضحت السيدة فاطمة (عليها السلام) بكل ما تملك من أجل الإسلام والولاية فهي بحق لولا فاطمة (عليها السلام) لما كان هناك إسلامٌ و ولاية.

(1)مثالب النواصب – الشيخ محمد بن علي بن شهرآشوب ص141(2) اصول الكافي الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ج1: 281 كتاب الحجّة، باب إنّ الأئمّة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله، بحار الأنوار- العلامة المجلسي ج22: 479 الباب (1) حديث 28 (3) الملل والنحل – الشهرستاني ج1ص57 (4) الاحتجاج – الطبرسي ج1ص 113(5) في مواقف الشيعة- الشيخ علي الأحمدي الميانجي ج۱ ص٤٥۸(6) الإختصاص– الشيخ المفيد ص ۱۸۳(7) بحار الأنوار- العلامة المجلسي ج ٤۳ ص ۱۷۷(8) روضة الواعظين – النيسابوري ص151(9( في جنة العاصمة-السيد محمد حسن ميرجهاني الطباطبائي ص148، ملتقى البحرين – العلامة المرندي ص 14 (10) كمال الدين – الشيخ الصدوق ص662(11) دلائل الأمامة للطبري ص28ط النجف(12) دلائل الإمامة للطبري ص228 (13) بحار الأنوار ج53ص178ح9 ط بيروت (14) حديث الكساء (15) السنن الكبرى – البهيقي ج10ص201 (16) سورة التوبة آية 61 (17) سورة الممتحنة آية 13.

 

أحدث المقالات