3 ديسمبر، 2024 8:13 م
Search
Close this search box.

السياسي السفسطائي

يتحدث التاريخ عن القائد الفرنسي نابليون بونابرت عندما زار مصر طلب زيارة قبر أحد القادة المصريين الذين حاربوه دفاعاً عن بلدهم ليضع إكليلاً من الزهور على قبره، فترجموا له ما مكتوب على شاهد القبر “هنا يرقد الرجل الصادق والسياسي العظيم”، عندها بادر بونابرت إلى مقولته “هذه أول مرة أرى رجلين يُدفنان في قبر واحد”.

أدبيات السياسة في عالمنا تكتسب صفة الغرابة وتحيط بها الدهشة حين يختلط بها عالم الفساد وعصابات الجريمة المنظمة ليصبح الحديث عن السياسة ورجالها كالحديث عن عالم المافيا.

يُقال إن أسوأ جائحة تصيب الوطن حين يوكل أمر محاربة الفساد إلى فاسدين وأن يُكلّف الفاشلون ببناء وطن والطائفيون للقضاء على الطائفية بعد أن تستخف السلطة بعقول الشعب.

يقول الجنرال الفيتنامي فون تقوين جياب “عندما تصبح الوطنية مصدر دخل يكثر الوطنيون”، لذلك تتوفر في مجتمعنا خلاصات وافية ومجلدات تملئ المكتبات عن حكايات الفساد والمفسدين قد تصل إلى أدق التفاصيل عما يجري في أروقة السلطة يسردها لنا سياسيو المنطقة الخضراء أو زعامات الصدفة ونماذج متعددة من الدرجات الحاكمة تشعرك إن الفساد أصبح شبحاً غير مرئي أو من الأساطير التي كنا نقرأها، لا نسمع سوى عن أشباح الفساد وحديث فيه تمويه للحقيقة وصرف عن الذهن كل الحقائق والمنطق.

هي حالة السفسطائية التي يعيشها هؤلاء، ظاهرة فلسفية نشأت في نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس قبل الميلاد في بلاد الإغريق.

ملخص هذه الفلسفة إن الحقيقة نسبية غير مطلقة للإنسان الذي هو مقياسها حسب رأيهم، والسفسطائيون طائفة من المحترفين لفن الإقناع الذين إعتادوا التجوال بين الناس لتعليمهم فن الكلام وإشتهروا بقدرة فائقة على الإقناع، فبإستطاعتهم أن يقنعوك بأمر ثم يعودون ليقنعوك بالعكس، وهكذا تستمر دورة خلط الأمور وقلب الحقائق.

تتميز الخاصية بإستعدادهم للجدال إلى أمد طويل دون توقف أو ملل يقع تحت وطأتها الكثير من البسطاء والجهلة.

نعترف إن الكثير من السياسيين إعتنقوا فكرة السفسطائية التي تستخدم الكلام المموّه للحقيقة والخالي من المنطق من أجل الوصول إلى السلطة ولو على حساب تدمير البلد والشعب، وميزتهم إنهم يكذبون ويعرفون إنهم يكذبون، الحق لديهم نسبي ولايوجد قانون أخلاقي للإلتزام به ليذكرنا بالمحصلة بأنهم بائعي كلام، يتميز أشطرهم في الخديعة بكلام منمّق معسول.

السفسطائية التي يمارسها أغلب السياسيين العراقيين في الخديعة والتمويه لعقول أغلب السُذّج الذين يصدقونهم معتمدين على مقولة غوبلز وزير الدعاية الألماني في زمن هتلر “إكذب، ثم إكذب حتى يصدقك الناس” لذلك تراهم دائمي الكذب وقلب الحقائق.

يمكن للعاقل أن يرى الإزدواجية في التصرفات من خلال بكاء البعض من ساسته على مصير العراق ومعاناة شعبه وينسى في ذات الوقت أنه سبب ذلك الدمار والشقاء.

وسفسطائي آخر ليعلنها صراحة “كلنا لصوص وسراق أخذنا رشاوي، وأنا واحد منهم” وآخر يتهم الطبقة السياسية الذي هو واحد منهم بأنها سبب الخراب والدمار والقتل في الفعل المزدوج بالإتهام وجلد الذات والإستمرار في ممارسة الفعل.

قبل ألفي عام قام أرسطو وسقراط وأفلاطون بمقاومة هذا الفكر المنحرف، فهل يستطيع الحاضر أن يفعل الفعل ذاته في محاربة هذا التطرف الأخلاقي؟.

مصيبة العراق في الذين يحكموه من غالبيته السفسطائيين الذين يقولون عكس ما يفعلون لذلك يشهد البلد من خراب إلى خراب نزولاً إلى القاع الصفصف.

تجارة الكلام التي كان يسوقها من لايملك من البضاعة الجيدة غير تلك الرديئة لتسويقها يبدو أنها بدأت تفقد بريقها خصوصاً مع إصطدام الواقع الذي يعيشه هؤلاء البسطاء بكثير من الأحداث التي تكشف زيف وإدعاء هؤلاء السفسطائيين مثل الزبد الذي يذهب جُفاءً أو يتطاير.

أحدث المقالات