الأخلاقيات السياسية هي الممارسات التي ترتبط بالعمل السياسي، وتوابعه، وتفترضها الدراسات والقواميس والادبيات منعزلة عن السجايا التي يتّسم بها الفرد، وسلوكياته في المجتمع.
بتعبير أدق، فإنها سلوكيات متحزّبة، لأيديولوجية او مجموعة عمل، ولا تعكس الأخلاق الشخصية المستنبطة من دين او مذهب، أو تربية مجتمعية.
ميكيافيللي، الأب المؤسّس للاعتباريات السياسية، يجزم انّ متحزباً، او عضواً في حزب يرتكب أفعالا تتناقض مع اخلاقه الشخصية، ويعمل على إنجازها بحسب أوامر، والا يعتبر غير ملتزم بأخلاقيات العمل السياسي.
الديمقراطيات المعاصرة تأبى ذلك نظريا، لكنها في الواقع تمارس هذه السلوكيات، تحت شعار “الغاية تبرّر الوسيلة”، وهو الشعار التاريخي الذي يضرب الاخلاقيات الدينية والاجتماعية، عرْض الحائط، ويراعي السلوكيات السياسية التي تختلف من مجموعة مؤدلجة الى أخرى، ويقلل من وطأة تنازلها عن المبادئ والشعارات، فيُطلق عليها وصف “الدبلوماسية” أو “المناورة”.
الأخلاق في السياسة هي اللا اخلاقيات، لهذا أصبح فن إدارة السلطة، خلال السنوات العشر الماضية أقل تحضرا ودماثةً، كاشفا عن نفاق ومرائية كل من يصل الى سدة الحكم، حتى في البلدان الديمقراطية العريقة مثل الولايات المتحدة، الى الحد الذي يستخدم فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مفردات سوقية تجاه الخصوم مثل “نصّاب” و”مجنون” و”مريض نفسياً” و”محتال”، لمهاجمة معارضيه، وبشكل منتظم.
كما استخدم ترامب الإهانات الشخصية ضد الأنداد، حين وصف المستشارة السابقة للبيت الأبيض ميكا بريجينسكي بأنها “كلبة” و”تنزف بشدة من كثرة عمليات شدّ الوجه”.
أضاعت السياسة، التي كانت على الدوام مرتبطة بسلوك حضاري للنخب، الكياسة، والصبر، والسكوت على الانتهاكات الشخصية، والتوجس من انهيار الصورة الإعلامية، لكن الزعماء الحاليين في مختلف البلدان، بدأوا يتصرفون على نحوٍ فظٍ وغير لائق، ولم تعد تهمّهم الاتهامات التي توجّه اليهم بالفساد، والتورط في الفضائح.
في الكثير من النقاشات السياسية المفتوحة، والتي تُنقل حيّة الى الجمهور، تجد زعماء وسياسيين، وخبراء في التحليل ومعالجة الاحداث، لا يزدانون بالأخلاق الحميدة، وتنقصهم الدماثة والالتزام باللطف واللياقة في النقاشات، ويمكن للمتابع للفضائيات الامريكية والعربية، أن يرصد بيسر، كيف تدور الاشتباكات بالأيدي، وكيف تتحول الندوات الى حلبات مصارعة، وحفلات كلام فَضَّة.
أحد أسباب الفساد الأخلاقي في السياسة، هو الرياء الذي ينكشف حين تحصل لحظة تقاسم الغنائم، عندها يتحول أصحاب
المبادئ في الكلام، الى طلاّب مصالح في الواقع، كما يتحوّل التنظير الأخلاقي المثالي الى سلوك منحرف، وتتحول الأيديولوجيا المثالية في بطون الكتب الى اختبارات ميدانية فاشلة، ولعل ذلك، احد أسباب انحسار الثقة بالسياسيين في الكثير من دول العالم.
يقول انيس منصور انّ “السياسة هي فن السفالة الأنيقة”، فيما أصبح واضحا ان الممارسة السياسية أصبحت غير مقيّدة بمبادئ اعتبارية، وان اقطابها ينقصهم الصدق الشخصي، والمهني على حد سواء.
كل ذلك لا يبدو غريبا لميكيافيلي الذي يعترف بان العمل السياسي يجب ان يكون بعيدا عن تطفل الأخلاق والدين، وان السلوك في السلطة ومجتمعات الأحزاب، لا صلة له بالأخلاق، بل يجب أن نحكم على الفعل السياسي من خلال النتائج، وفيما اذا هي مفيدة او لا.
فات على ميكيافيلي بان هناك اشخاصا طارئين على فن السياسة العظيم، لا يمكن شمولهم بتعريفه، وهم أولئك الذين يتعمّدون الفساد، لأجل كسب المغانم الشخصية، فيما الذين يتحدّث عنهم من محترفي السياسة الذين يهمّشون المبادئ الأخلاقية، غرضهم تجاوز بعض الموانع السلوكية، لبناء مشروع بنتائج.