تختلف موضوعية السياسة، من تحليل وواقع بين دول العالم أجمع، لكن يتحتم على الجميع الإيمان بالوقت، وعدم منح الفرصة أكثر من مرة.
العراق بلد العجائب السياسية، لأن الفهم الموضوعي تخطى حاجز الفرصة السابعة، وأهدر الوقت في مراحل فاشلة تحت مبدأ (عسى أن يكون خيراً) ولكن كل هذا يضع السياسة العراقية في خانة الفشل، فالوقت المهدور، رسم تجاعيد الموت على وجه الوطن.
دكتاتورية الماضي التي أستمرت قرابة الثلاثين عاماً وأكثر، أنتجت جيلاً يؤمن بالقومية البعثية، وقيادة صدام الفاشلة، فزرعْ الأفكار لا يموت بوقت قصير، ونتيجة خمسة عشر عاماً، من الحكم الديمقراطي الفاشل، وإفساح حرية الرأي، وكذلك صومعة منصات التواصل، كلها جعلت من خرافة صدام قائد لدى أبناء الرفيقات، وكل هذهِ الأصوات الناشزة، تعالت أكثر فأكثر في كل تشكيل فاشل للحكومة، التي أستمرت تحت عباءة أحد الأحزاب الحاكمة، وأصبح فشل الحكومة سلاح، يقاتل به كل المبغضين من خروج العراق من آفة الدكتاتورية.
التوزيع السكاني للعراق، وتوزيع القوميات والطوائف فيه، جعل سيناريو تشكيل الحكومة ثابت في كل دورة أنتخابية، فرئيس الوزراء للشيعة، والكرد لهم الجمهورية، والسنة أستحوذوا على البرلمان، وبهذا التقسيم إشترك الكل في العملية السياسية، التي جلبت المآسي والويلات، حتى جثت على صدر العراق، لكن الغريب أن الأبواق الناهقة في كل مكان، تحمل فشل الحكومة لطائفة محددة، كأنهم الوحيدين في الحكم، والعجيب أن أبناء هذهِ الطائفة، يفكرون فقط بعقلهم الباطن، الذي يصدق كل كذبة تلامس الشعور والعاطفة، فهل كل هذه الغرابة والعجب، نتيجة أستمرار فكرة البعث في عقول البعض، أم أموال إعلامية لكسر السيناريو المعتاد في توزيع المناصب، وعودة العراق إلى حقبة الثلاثين المظلمة ؟
الذكاء السياسي يكمن كله في أحد التيارات السياسية، التي دفعت بأحد الوزراء للأستقالة، كأنها غيبة صغرى عن العملية السياسية، فلم تدم سوى ستة أشهر، حتى عاد بطلاً لفيلم تشكيل حكومة 2018، وحصل على دعم كافة الأحزاب الشيعية والسنية والكردية، إجماع تام على أختياره، كأنه البطل حتى من قبل جزء من الشعب.
حصل عبد المهدي على تأييد كامل، من قبل بعض الأحزاب الشيعية، على أن يكون له حرية إختيار الوزراء، ولكن البعض من الجهة المقابلة بقى في خندقة المحاصصة، وأصر على حقه في المناصب، لكن الصدمة كانت كبيرة للجمهور الذي عقد الأمل برئيس الوزراء، الذي قدم كابينة وزارية، نصفها عمل كسكرتارية في مكاتب الأحزاب، والنصف الآخر ملوث بالفساد حتى هامته، فكيف برجل ذو عقلية إدارية إقتصادية، أن يعقد العزم بكابينة ضبابية ضعيفة لحد العمى؟
بعد كل هذهِ الأحداث، وبما أن الفاكهة المتناولة في أفواه الشعب هي السياسة، أصبح السؤال الأهم الذي يتداول، كم ستستمر حكومة عبد المهدي قبل أن تنهار؟ و الأهم، من سيعمل على إنهاء هذا الفشل الذريع في الكابينة الضبابية؟
كلنا يؤمن أن السياسة لعبة الدهاء، فمن سينتصر بها عليه أن يملك عمق في التفكير، فإن كان لابد من أن تضحي بالقلعة، لينتصر الملك في لعبة الشطرنج، كذلك يمكنك أن تضحي برئيس وزراء، لتكسر القاعدة التي تقول، أن الحكم دائما بيد الطائفة الفلانية فقط، وهذا هو التوقع الأكثر حدوثاً، لما يحدث في الساحة السياسية اليوم، لكن السؤال الأهم من يدير هذه اللعبة في الخفاء، ومن الملك الذي ينتظر سقوط القلعة، لينقض على الحكم؟