لم يعد خافيا على احد أن السياسة تعني إجمالا إدارة وتنظيم أمور المجتمع والدولة، صفة الإنابة أو التوكيل من قبل الشعب التي يكتسبها مَن يتصدي للعمل السياسي تفرض عليه أن يعمل على إصلاح ما فسد، وتطوير واقع الوطن والمواطن باعتماد الطرق والوسائل والآليات والمناهج والغايات المشروعة الناجعة، فلا وجود لمنطق الغاية تبرر الوسيلة في منهجية السياسة الصادقة الموضوعية، لأن السياسة فن الممكن بمعنى دراسة الواقع بصورة موضعية وتشخيصه بشكل دقيق بعيدا عن أي عوامل من شأنها أن تؤثر على عملية الدراسة والتشخيص الناجع، ولهذا يُخطئ من يفسر أن فن الممكن هو الخضوع والاستسلام للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات القوة والمصلحة، كما هو الحال عند الانتهازيين والنفعيين الذين يفسرون الأشياء بما يتناسب مع مصالحهم الشخصية ويسيرون الأمور وفقا لذلك.لقد أثبتت تجربة عراق ما بعد الاحتلال أن المتصدين للعمل السياسي سواء كانوا السياسيين أو الجهات الدينية التي سلطتهم على العباد والبلاد أنهم لا يعرفون أبجديات السياسة، بل أنهم ساروا ويسيرون على سياسة المكر والخداع والفساد والإفساد لأنهم قادوا البلاد من سيء إلى أسوأ، ووقفوا ضد أي مشروع إصلاحي وطني صادق يريد إنقاذ العراق وشعبه، فالسياسة والساسة ومَن يدعمهم في العراق مفردات تنصرف بديهياً إلى كل ما هو قبح وظلام وخراب ومحاصصة طائفية أو حزبية، ومصالح شخصية وفساد ومفسدين وسرقة ومليشيات وإرهاب وقتل وتهجير وتفجير وتمييز وفقر وحرمان، وتبعية لأقطاب ومحاور دول خارجية وتنفيذ لأجنداتها ومصالحها، فالسياسة في قاموسهم تعني إدارة وتنظيم وتسيير مصالحهم ومصالح من ارتبطوا به من أحزاب وجهات ودول، وهذا ما كشف عنه وحذَّر منه المرجع العراقي الصرخي الحسني مرارً وتكرارً ومنها قوله: (أهل السياسة لا دين لهم ، السياسة هي إدارة وتنظيم شؤون الناس ومتابعة شؤونهم فليست السياسة سيئة وإنما السياسة هي من ساس الشيء ورتب الشيء وربى الشيء ونظمه وهيئه وهذبه هذه هي السياسة ، سياسة أمور العباد إدارة شؤون الناس والبلاد ، لكن الآن صارت السياسة تنصرف إلى الفساد والسرقة والإرهاب والظلم والقبح والتهجير والى المصالح النفعية.).