السياسة اصطلاحا تعني رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وتعرف إجرائيا بأنها دراسة السلطة التي تحدد من يحصل على ماذا، متى وكيف. أي دراسة تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة. وعرفها الشيوعيون بأنها دراسة العلاقات بين الطبقات، وعرف الواقعيون السياسة بأنها فن الممكن أي دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعيا وليس الخطأ الشائع وهو أن فن الممكن يعني الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات القوة والمصلحة.
وتعبر السياسة عن عملية صنع قرارات ملزمة لكل المجتمع تتناول قيم مادية ومعنوية وترمز لمطالب وضغوط وتتم عن طريق تحقيق أهداف ضمن خطط أفراد وجماعات ومؤسسات ونخب حسب ايدولوجيا معينة على مستوى محلي أو إقليمي أو دولي، والسياسة هي علاقة بين الحاكم والمحكوم وهي السلطة الأعلى في المجتمعات الإنسانية، حيث السلطة السياسية تعني القدرة على جعل المحكوم يعمل أو لا يعمل أشياء سواء أراد أو لم يرد، وتمتاز بأنها عامة وتحتكر وسائل الإكراه كالجيش والشرطة وتحظى بالشرعية.
ومع أن هذه الكلمة ترتبط بسياسات الدول وأمور الحكومات فإن كلمة سياسة يمكن أن تستخدم للتوفيق بين التوجهات الإنسانية المختلفة والتفاعلات بين أفراد المجتمع الواحد، بما في ذلك التجمعات الدينية والأكاديميات والمنظمات..الخ.
وأيضاً السياسة هي القيام على الشئ بما يصلحه أى المفترض أن تكون الإجراءات والطرق ووسائلها وغاياتها مشروعة فليست السياسة هي “الغاية تبرر الوسيلة” وليست “العاب قذرة فهذا منطق “المنافقين الأنتهازيين”.. وهذا متوفر والحمدلله في اغلب ساسة العراق .
قد يلومني من يقرا عنوان المقال وقد يعتب البعض كوني أطلقت الجملة ولم استثني منها احدا من السياسيين العراقيين الا ما رحم ربي ، لذلك فالساسة العراقيون لا يمتون باي حال من الأحوال بصلة الى كل ما تطرقت اليه سلفا عن مفهوم السياسة لا من قريب ولا من بعيد لسبب بسيط جدا هو انهم لا يمتلكون خبرة وحنكة السياسيين بل ان كل ما يمتلكوه هو ما جاءوا به فقط وانهم مازالوا غير مستوعبين لما هم فيه فتراهم يتخبطون في كل شيء. فتارة يفسرون الدستور على اهوائهم وبما يخدم مصالحهم وتارة اخرى يتشبثون بفقرات قد رفضوها فيما مضى ، ناهيك عن كل ما يتبع ذلك من تحولات وتقلبات وتجاذبات حتى يصل الحال الى تطبيق مفاهيم “الغاية تبرر الوسيلة” و”عدو عدوي صديقي” .. الى اخره من تلك المفاهيم التي لو قلبنا الاوراق في كل دساتير العالم لم نجدها بل ان ساستنا الإجلاء قد أسسوا مدرسة للسياسة هي الاسوأ في تاريخ البشرية ستقتدي بها الانظمة التي ستنشأ وتبنى بنفس الطريقة التي نشأت وبنيت في العراق لتكون مرجعا لها في اصول “انا ومن بعدي الطوفان” و”عدم الاكتراث لمعاناة واحتياجات الشعوب” و”اكذب اكذب حتى يصدقك الاخرون”، واسكت عن فسادك وانت تسكت عن فسادي ” .
كما ان التخبطات التي يبديها البعض لا تنم عن حنكة سياسية بل هي اقرب الى الغباء ناهيك عن عدم وجود رؤية ستراتيجية للقضايا والاحداث بل انهم يتفاعلون مع الاحداث آنياً ، ويكتشفون الاخطاء بعد الوقوع فيها !!!!
استوقفتني كلمات قرأتها عن مفهوم السياسة بأسلوب مبسط قد يفهمه حتى الاطفال الا السياسي العراقي صاحب العقل المطبق ،وهذه الكلمات هي :
ذات يوم سأل طفل أباه ما هي السياسة ؟ فقال الأب : دعني أحاول شرح معنى السياسة لكي ابني :-
أنا مصدر رزق الأسرة ، لذا سنطلق عليّ اسم المحرك ، وأمك هي المدير المالي لذا سنطلق عليها اسم الحكومة اي المديرة التي تدير الامور، ونحن هنا لنهتم باحتياجاتك لذا سنطلق عليك اسم الشعب، و الخادمة سنعتبرها الطبقة العاملة ، و أخوك الصغير سنطلق عليه اسم المستقبل، والآن فكر في هذا وانظر ماذا سيعطي لك المعنى !!
ذهب الطفل للفراش يفكر فيما قاله له والده ، وفي وقت متأخر من الليل سمع صوت اخيه الصغير يبكي ،فقام ليرى ما به ، فوجده قد بال في حفاظته ، فذهب لغرفة والديه فوجد امه غارقة في النوم فنادى عليها فلم ترد عليه ووالده ليس معها ، ثم ذهب لغرفة الخادمة فوجدها مغلقة ، اختلس النظر من فتحة الباب فوجد والده مع الخادمة يهمسون و يضحكون ويمرحون !!! استسلم الطفل و رجع الى فراشه ويده على خده.
وفي اليوم التالي قال الطفل لأبيه : ابي الآن فهمت معنى السياسة ، قال الأب : ممتاز بني فأنت ذكي كأبيك..
اخبرني الذي فهمته !! !!
رد الطفل سأوجزها لك يا ابي لعلك تستوعبها وتعي مضمونها وعواقبها فقال : } بينما يعبث المحرك بالطبقة العاملة تكون الحكومة غافلة نائمة فيصبح الشعب مهملا و المستقبل في عمق “القذارة” مجهولا{ .
بكل اسف لا أرى في العراق رجل سياسي ، وحتى لا اكون مجحفا بقولي فقد يوجد من لم تسنح له الفرصة، ويوجد الكثير من الممتهنين لها دون ان يعوا مضمونها وهم بالأحرى عبارة عن بيادق شطرنجية مسيسون ومسيرون لا حول لهم ولا قوة إلا ” على ابناء جلدتهم اسود” وبما يأتمرون من قوى داخلية وخارجية ،اقليمية ودولية ولو كان ما يأتمرون به في صالح الشعب فلا ضير لكن الطامة الكبرى ان الشعب هو ضحية لسلوكياتهم وافعالهم ولا اقول سياساتهم لانهم بعيدون كل البعد عن السياسة ويحتاجون الى عشرات السنين ان لم اقل مئات حتى يواكبوا سياسة العالم!!!
فهل يعقل إننا مانزال نراوح في ذات المربع الأول بل تقهقرنا الى الخلف وخرجنا حتى من طاولة المربعات فاين هم من يصنفون بساسة البلد أنهم حتى لم يترفعوا عن الـ(انا) الضيقة بل أنهم اظهروها دون خجل او وجل ولا يكترثون الى ما يعانيه الشعب من حرمان لأبسط مقومات الحياة، فنراهم يتصارعون على الكراسي وجميعهم نسى وتناسى المثل القائل ” لو دامت لغيرك ما انتقلت إليك”.
وان المسلسل الدرامي الذي اعتاد عليه الشعب والذي يخرج علينا بحلقاته ساستنا المبجلين وهم يؤدون ادوارهم الكوميدية والتراجيدية تحت قبة البرلمان حتى اضحوا اضحوكة بين الامم فبين جعجة فارغة وشعارات واهية وبين صراخ ونباح وشتم وتشابك بالايادي وما خفي كان اعظم حتى انهم لم يبقوا على شيء لاولاد الشوارع !!
ومع كل هذا وذاك وبين لوعة الالم وقلة الحيلة يبقى الذنب هو ذنب الشعب الذي يستحق أكثر من ذلك لأنه هو من طبل لهم وجعلهم يعتلون على كتفيه فهنيئا أيها العراقيون واستيقظوا وتيقظوا لعمق قذارة المستقبل ان بقي الحال على ما هو عليه.