23 ديسمبر، 2024 7:02 ص

السياسة فن الممكن أم فن المستحيل ؟ وعي الشعوب المقهورة

السياسة فن الممكن أم فن المستحيل ؟ وعي الشعوب المقهورة

السياسةُ فنٌ يتلاعبُ به مريدوه لتمرير حساباتهم ومشاريعهم الدنيوية ، عبر آلياتٍ متلونة لايقرُّ لها قرار ولم تعهدِ الثباتَ يومًا ، فعلى الرغم من التعريفات العديدة ( للسياسة ) إلا أنّ التسيُّدَ لواحدٍ منها أصبح أمرًا مفروغًا منه ، بحسب ما أملته الظروفُ و الأحداثُ التي فُرِضت على واقعِ الشعوب وفقًا لنظرية المصالح المشتركة ، إذ يسمونها –  السياسيون – ( فن الممكن ) ، ويبدو أن هذا (الممكن ) جاء منسجمًا مع رغباتِ وتطلعات السياسةِ الدنيوية التي ليس لها خطوطٌ حمراء ، فكلُّ شيءٍ ممكنٌ في عالمِ هذه السياسةِ ، ولكي يبقى هذا الممكنُ متاحًا يؤتي أكله كلّ حينٍ لابدّ للمُسَيَسِ أن يسيرَ وفق رؤيةِ هؤلاءِ ، يصفقُ لما يقولون وينعقُ بما يُصرِّحون فيغدو يومًا بعد يوم بوقًا مرددًا لكلماتهم المزرية ، ولن يتمَّ لهم الأمرُ بهذه الكيفية إلا أن يكون الضحيةُ شعبًا جاهلاً يلهثُ وراء سرابٍ بقيعةٍ تُصوِرُه وعودُهم الانتخابية ماءًا فراتا .

    هكذا هو المشهدُ اليوم في أبهى صوره ، مشهدُ الجلاد والضحية ، مشهدٌ أبطاله يُعلنون صراحةً : لكي تبقى عروشُنا عليك أن تكون في غيبوبةٍ عن وعيك وراء قضبان الجهل مسطحًا فكرك بين سطور الحقيقة لو أخرجتَ يدَك لم تكد تراها فالصورةُ لديك  ينبغي أن يلفَّها الضبابُ في كل أبعادها ، لأنّ كلّ ما نريده هو ما يمكن أن نحظى به بحسب مفهوم ( فن الممكن ) ، وإذا ما أفقتَ يومًا ما من غيبوبتك ووعيتَ مأساةَ محنتك أيها الضحية ، وأزلتَ الغشاوةَ عن قلبِك ، واستنهضتَ همتك بلباس العلم والمعرفة ، فستدرك حجمَ المؤامرةِ على حاضرك و مستقبلك وستتضح لك ألعوبتُنا ، وحينها سنكون خارج حسابات المعادلة ، وبهذا يصيرُ كلّ ما كان ممكنا لنا سابقًا مستحيلاً تحت مظلةِ الوعي .

   في حسابات الشعوب الواعية لافرصة تعطى للانتهازيين لتسطيح الوعي عندهم ، لأن في ذلك استرقاقٌ لإنسانيتهم و مسخٌ لكرامتهم ، ولئن رجحُت كفةُ الميزان لصالح هؤلاء ذلك لأننا غَيَّبنا وعينا في سرادقات الأمل علَّنا ننالُ ما نريدُ من صور المستقبل السعيد دون أن نقدم شيئًا أو نُزيد ، لماذا لا نُعيد الميزانَ إلى نصابه ؟ هل نحن قاصرون عن ذلك أم مقصرون فيه ؟ سؤالٌ نهربُ من جوابه .

    وكثيرةٌ هي نداءاتُ التغيير لواقعٍ مزرٍ سقيم دون أن نصل إلى ضفاف الحقيقة ، والحلُّ بأيدينا ، فمتى ما أدركنا قيمةَ ذواتِنا بأننا نُحسنَ أشياءً وأشياءا ، فلن يكون للجهلِ وجودٌ بيننا وسنقفَ سدًّا منيعًا نفاجيءُ به الجميع وسنُصِّيرُ السياسةَ فن المستحيل ، وكلُّ شيءٍ واردٌ في حسابات الشعوب الواعية .