بعد أن فاز جو بايدن في انتخابات تشرين الثاني ٢٠٢٠ في الولايات المتحدة الأمريکية علی منافسه الرئيس دونالد ترامب کانت هناك آراء متوقعة بأن سياسة الرئيس الديمقراطي الجديد سوف تكون مماثلة أو إمتداد لسياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما، أي صيغة ثانية لأوباما وسياسة قائمة علی الموازنة بين القيم والمبادئ الأميركية (الرؤية المثالية) والمصالح الأميركية والأمن القومي الأميركي (الرؤية الواقعية)، أي إستخدام سياسة المزج بين المثالية والواقعية.
هناك في منطقة الشرق الأوسط ملفات ساخنة لايمكن لأية إدارة تجاهلها، منها ملف النووي الإيراني و ملف الإرهاب و الحرب و عناصر اللادولة و حقوق الإنسان.
الولايات المتحدة الأمريكية تدرك تماماﹰ بأن وجود فراغ في المنطقة سوف يقود الی تحولات جيوستراتيجية عميقة فيها و سوف تحاول کل من الصين و روسيا دون تريث ملأ هذا الفراغ، لذا وعلى الرغم من مساعي الإدارة الأميركية لتقليل الانخراط في منطقة الشرق الأوسط، ونقل محور التركيز إلى آسيا والمحيط الهادئ، نری بأن إدارة بايدن تعمل علی الموازنة بين التوجه نحو آسيا وإعادة تخصيص الموارد الأميركية للقضايا الشرق أوسطية الأكثر إلحاحاﹰ، التي سيكون تحقيق تقدّم فيها بوابة لتحقيق إنجازات في قضايا أخرى.
إن إنسحاب أمريکا من المنطقة وعدم الإنخراط في أزماتها سيخلقان إشكالياتٍ وتحدياتٍ تفرض على الولايات المتحدة إعادة الانخراط المكثف مجددًا فيها، وتخصيص موارد أكثر من ذي قبل للتعامل مع تداعيات هذا الانسحاب الذي لا يؤثر في مصالح حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة وأمنهم فحسب، بل في مصالح أميركا وأمنها، ولا سيما مع تحوّل المنطقة إلى ساحة للمنافسة مع خصومها الاستراتيجيين الدوليين والإقليميين.
فيما يخص الملف النووي الإيراني فالرئيس جو بايدن يهدف الی عقد إتفاق نووي شامل بحيث يسمح لإيران بأمتلاك برنامج نووي سلمي، لکنه يوسع شروط التفاوض وفي نفس الوقت يحافظ علی القيود الإقتصادية ويستفيد من الضغوط القصوی لإدارة ترامب کوسيلة ردع ودفع نحو إستکمال المفاوضات ويحضر علی إيران امتلاك القدرة التي تخولها أن تصبح دولة تمتلك أسلحة نووية. إذن الرئيس بايدن يجدد أولوية الدبلوماسية والتحاور بإشراك أطراف إقليمية ودولية للوصول الی إتفاق مع طهران، لکنه لايتجاهل السلوك المزعزع للإستقرار في قضايا الإقليم.
فيما يتعلق بملف الإرهاب، فإن إستراتيجية إدارة بايدن تهدف الی تهدئة التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط وتؤكد علی مواجهة التنظيمات الإرهابية کالقاعدة ومنع عودة داعش من جديد إلى سوريا والعراق والتركيز علی إلحاق الهزائم بهم و التشديد علی على العمل مع الشركاء الإقليميين لردع الميليشيات الخارجة عن القانون وسياستها العدوانية
سياسة إدارة بايدن تجاه الحرب في اليمن بعد أن تم تعين “تيموثي ليندركينغ” مبعوثاﹰ خاصاﹰ إلى اليمن، رغم أن اليمن ليست ليس أولوية لهذه الإدارة، هي السعي الی احتواء جماعة الحوثيين بعيداﹰ عن إيران و مساندة السعودية في الدفاع عن أراضيها من الهجمات الخارجية التي تتم عبر الجماعات المدعومة إيرانياﹰ.
في ظل إدارة بايدن رغم الإلتزام بضبط النفس قامت القوات الأمريكية مرات عديدة بغارات عسکرية محدودة علی فصائل اللادولة، منها ضرب منشآت تابعة لكتائب “حزب الله العراقي” و “كتائب سيد الشهداء” على الحدود العراقية السورية، مما أدت الی تدمير منشآت تقع عند نقطة حدودية تستخدمها هذه الميليشيات المسلحة.
ستواصل إدارة بايدن دعم التطبيع مع إسرائيل، فالعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل مهمة للغاية بالنسبة لكل طرف وهي بمثابة دليل ريادي على الالتزام الأمريكي تجاه حلفاء واشنطن في المنطقة، وتؤکد هذه الإدراة بشكل كبير حقوق الإنسان وحرية عمل المجتمع المدني.
لقد سعت إدارة بايدن لأن تبرهن على أنها تضع بالفعل حقوق الإنسان في قلب دبلوماسيتها، ولا تتردّد في إدانة قرارات تتخذها دولة حليفة لها. الرئيس بايدن دعی في مناسبات عديدة الی احترام القيم الديمقراطية، قائلا أنه يبقی على مسافة من مرتكبي الانتهاكات الأكثر سوءاً.
السؤال هو، هل يسعی بايدن الی استضافة قمة عالمية لحقوق الإنسان، من شأنها إبراز التزامها باستعادة القيادة الأمريكية تحت مظلة التعددية المتجددة؟
مما ذکرناه أعلاه يتضح بأن الشرق الأوسط معلق نوعاﹰ ما بحبال سياسة بايدن الجديدة وأن الرئیس بايدن يحاول الی حدﹴ ما المواءمة في سياساته الشرق أوسطية بين المثالية التي تؤكد أهمية القيم الأميركية في السياسة الخارجية، خصوصاﹰ الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، والسياسات الواقعية التي تراعي المصالح الأميركية العليا في هذه المنطقة المهمة من العالم.