باتت السياسة في العراق عملية مشوشة ولا يمكن لاحد ان يتوقع ما هو مستقبلها، ومن هو اللاعب الرئيس في الساحة الذي سيخطف الاضواء من الاخرين، بسبب تعالي الاصوات المطالبة بالإصلاح وبكل تأكيد هناك تسابق محموم للفت انظار الشعب العراقي والدخول ضمن عنوان (المصلح). مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الفساد في الدولة العراقية مستشر منذ مدة من الزمن، وقد كانت هناك اصوات قد نادت بالإصلاح وطالبت به الا ان لا حياة لمن تنادي. فهل هذا الصراع المحموم حول التغيير الوزاري يهدف الى اصلاح حقيقي؟ وما هي الاسباب الحقيقية الكامنة خلف هذا التغير في سياسة بعض الكتل. واين موقف الدول الاقليمية والقوى الكبرى مما يحصل في العراق؟؟
في البداية لا بد من تذكير القارئ الكريم ببداية نشوء الازمة الحالية ومن اين بدأت، في يوم الجمعة الموافق 5 شباط من عام 2016 م اعلن خطيب الجمعة في كربلاء ممثل السيد السيستاني عدم التطرق للخطب السياسية، ولان صوت المرجعية بح من المطالبة ، وعدم التدخل في هذا المجال الى وقت اخر، بعدها وبتاريخ 8 شباط قال السيد مقتدى الصدر: ان خطوة المرجعية خطوة شجاعة في اتخاذها هذا الموقف، وقريبا سأعلن عن مشروع اصلاحي وانه متوافق مع العقلاء ، وقد اشار وبوضوح انه برعاية المرجعية ويعني بذلك السيد السيستاني، ولم يعلق الاخير على شيء بل التزم الصمت مما يؤيد كلام الاول. وقد اعلن عن مشروعه الاصلاحي في يوم 13 شباط وطالب اتباعه بالخروج بمظاهرات الى الشوارع …………..
ويتبين من خلال التوقيت وبعض المصادر ان هناك اتفاقا بين السيد السيستاني والسيد مقتدى الصدر، قد يستغرب بعضهم كيف يمكن ان يكون هذا الاتفاق بينهما؟ وبكل تأكيد هناك اسباب ادت الى هذا الاتفاق:
اولا: ان الحشد الشعبي الذي كان صنيعة خطأ فتوائي لكنه جاء منسجماً مع رغبات السيد السيستاني قد انفرط عقده من يده واصبح بيد الايرانيين، كما هو حال جميع الفصائل المسلحة الذي يترأسهم سياسيا نوري المالكي. والمراد من هذا الاصطفاف ليس عسكريا وحسب ؛ بل هو سياسي اي انه سيشارك في الانتخابات المقبلة، وهذا يعني افلاس السيد السيستاني من القوة التي يتحكم بها بالدولة العراقية، وتوسيع النفوذ الايراني في التحكم في العراق اكثر من ذي قبل، وهذا ما لا يعجب السيستاني. مما ارغم الاخير على ضرورة الاتفاق مع السيد مقتدى الصدر.
ثانيا: ان السيد مقتدى يمثل افضل خيار بالنسبة للسيستاني، لان الاول يملك ميليشيا قوية ومؤثرة في الساحة العراقية، ووزراء في الحكومة الحالية، وكتلة في البرلمان العراقي، واتباع يطيعونه.
فضلا عن كونه عراقي وابن الشهيد الثاني، كما ان علاقته بإيران يشوبها التوتر، وهو يتبنى المواقف الوطنية، فعلاقته ببعض التوجهات السنية جيدة ظاهرا.
وهناك اتفاق مع السيستاني من قبل امريكا والدول الخليجية بضرورة تغيير الخارطة السياسية في العراق، ليضمن السيستاني الحفاظ على نفوذه السلطوي، والحد من النفوذ الايراني على الساحة العراقية. كما ان الطرف الامريكي ضمن انهاء ملف داعش في العراق لتنتهي حجة وجود الفصائل المسلحة، ويعد انجازاً كبيراً للحكومة الجديدة المزمع تشكيلها، ولم يقتصر الامر على داعش بل هناك قضايا يجري ترتيبها لا نعلن عنها الان كلها تصب في الهدف نفسه. وفي هذه الفترة تكررت عدة زيارات من قبل السيد محمد رضا نجل السيستاني المتحكم والمتصرف بكثير من المفاصل الى محل اقامة الصدر في النجف، كما زار الاخير السيستاني في محل اقامته ايضا.
بعد ان ضغط السيد مقتدى على رئيس الحكومة العراقية والكتل السياسية وحشد الرأي العام بضرورة اجراء الاصلاحات، شكل لجنة لاختيار الوزراء التكنوقراط. في حين انه يعلم يقينا بعد ان ضرب كبار شخصيات الكتل السياسية واتهمها بالفساد والفشل انهم نفسهم من سيصوت لتمرير الكابينة الوزارية. فأمام السيد مقتدى خياران لا ثالث لهما، اما ان يصوتوا لها وبعد ذلك يمارسون عليهم الضغط لإجبارهم على النزول عند رغبات الكتل، او سيثيرون عليهم بعض الملفات لإقالتهم، وعلى كلا الحالين فان الاصلاح المزمع اقامته لن يتحقق. وانتقل بعد ذلك الى مرحلة الاعتصامات على اسوار المنطقة الخضراء ومن ثم اعتصم هو داخل المنطقة، وقسم مستوى المطالب الشلع اولاً ثم الشلع قلع ثانياً، وبات يهدد البرلمانيين وضرورة ان يصوتوا لصالح الاسماء التي طرحت لتسنم الوزارات، الا ان السيد مقتدى بدأ يظهر تفرده و ويصرح ان العراق لا يحكمه احد وانما هو لآل الصدر، مما جعل السيستاني يغير خطته، فرأينا تحركا قوياً من عمار الحكيم يهدد مقتدى الصدر بشكل واضح لا يمكن اغفاله، لان الصدر هيمن على مجريات الامور، وحاول الحكيم في خطابه الموجه في يوم 9 نيسان للحشود التي حضرت ازاء مبلغ 25 الف دينار عراقي مع وجبة الغداء، ان لا وجود لقوة سياسية غير المجلس الاعلى، كما حاول الغاء وجود الصدر الثاني بتركيزه على علاقة باقر الحكيم بباقر الصدر وان الاول هو من اسقط النظام البعثي، كما ان الحكيم بدأ يتحدث بنبرة غريبة مفاجئة وتوج حديثه بقوله (سنتحدث منا ورايح بالكلام المعلك)، كما انه طرح مبادرة لحل الازمة ليصادر جهود السيد مقتدى ويرجع دفة الحكم للسيستاني. كما فعل قبله العبادي في خطابه عندما سلم ظرفه المغلق لرئيس مجلس النواب، حيث انه ركز على تواصل المرجعية ويعني السيستاني وكان باتصال دائم بخصوص الاصلاحات، في حين المشهور ان السيستاني لا دخل له بالأمور السياسية بحسب ما يدعون! لذا كان رد مقتدى الصدر في خطاب انهاء اعتصامه على العبادي قال: باعتصامكم انتم اجبرتموهم على التغيير. فمن سيفرض ارادته على الاخر؟؟ وهل سنشهد تدمير شامل للعملية السياسية والرجوع الى المربع الاول؟.
ان الامريكان يفضلون الخيار الثاني اي الرجوع الى المربع الاول، والسبب هو انهم فشلوا في ملف العراق وجعله ديمقراطياً، وان هناك اخطاء يجب تلافيها لكن هذه المرة بأيدي عراقية لتخرج هي من عنق الزجاجة بعد ان كبل العراق بقيود لا سبيل للخلاص منها، اقتصاد منهك، ديون كثيرة، بنى تحتية منهارة، مجتمع يأن من الطائفية والدماء وغيرها.
اما ايران فقد توصلت الى اتفاق مع اميركا بالانسحاب من العراق والاكتفاء بسوريا، الا انها سوف لا تلتزم بهذا الاتفاق لأنها تمتلك القدرة على العمل لصالحها دون ان تخرق الاتفاق بحسب الظاهر لتغلغلها في الاوساط الاجتماعية العراقية ولا يقتصر الامر على الشيعة فقط بل حتى السنة والاكراد. ولان الجميع يعلم ان من يفرض سيطرته على العراق فانه سيسطر على العالم اجمع. ولا يمكن ان يكتفوا بسوريا