عندما تتحكم الدول ذات الصبغة الأحتلالية أن كان أحتلالها علنياً أو مخفياً خشناً أو ناعماً بالقرار السيادي للدول المحتلة فالمنطق والحقيقة تقول أن ذلك الأحتلال يتحكم بالممارسات والقرارات التي تصدر من تلك الدول المغلوبة على أمرها ويخرجوه على أنه قرار وطني محض صادراً منها ، وهذه الحالة تنبطق على العراق كعينة مما أشرنا اليه ولو رجعنا لبداية المشهد هنا لوجدنا أن الأحتلال الأمريكي بالتعاون مع الأحتلال الإيراني قد وضعا اللبنة الأولى للسياسيات الخارجية العراقية وأحكما السيطرة عليها وأن هذه الأخيرة أي إيران قد بات من الواضح للعيان تأثيرها على تلك السياسات من خلال خرق الأجماع العربي في قضايا عدة والكثير من التحفظ في القضايا الأقليمية التي تصطدم مع المصالح الإيرانية في المنطقة حتى بات واضح للعيان أن قرارات الخارجية العراقية هي نسخة مستنسخة عن ما تريده دولة ولاية الفقيه وأمتداد للقرارات الخارجية الإيرانية ..
وهنا يقع اللوم على الدول الأقليمية ومنها السعودية التي أدركت في وقت متأخر عن أن تقصير دورها في العراق كان له تبعات أهما خسارتها للعمق الأستراتيجي الداخلي فيه فضلاً عن أن مخلفات هذه الخسارة أفرزت حالة من العداء بسبب وضع إيران يدها من خلال وكلائها على القرار الخارجي العراقي والأخطر من كل ذلك زحف التبشير الثوري الإيراني بحجة محاربة الأرهاب حتى وصل بعد أحداث ما يسمى تحرير الفلوجة والأنبار على حدودها الشمالية مما يشكل حلقة تمهيدية لم يتبقى مما خطط لها الا التعشش والتجسس والضغط هناك لتصل لمراحلها الأخيرة من التهديد والمواجهة العسكرية المحتملة ، وقد فطنت تركيا لذلك وتنبهت وأعتبرت أن مسرحية تحرير الموصل ما هي الأنذير شؤم وأقتراب ستراتيجي إيراني من حدودها الجنوبية وأنهيار سد منيع ديمغرافي سني كان لسنوات عدة يمثل دعامة أطمئنان للجانب التركي ولذلك عملت جاهدة على الأبقاء على ذلك النسيج الذي يحفظ وجودها ولا يهدد حدودها ، والكثير يعلم أن مايظهر في السياسية يخالف مايدور ببواطنها في أغلب الأحيان ، وهنا بدأت إيران بالإيعاز إلى وكلاائها في العراق وعلى رأسهم العبادي والجعفري بأن يحتجون على التواجد التركي حتى يرفعوه إلى مجلس الأمن وكان من المفترض أن تكون هذه الخطة ناجحة “أي أبتلاع الموصل من قبل إيران ” لو نجح الأنقلاب السابق في تركيا لأن أمريكا كانت تخطط أنه من ضمن منجزات ذلك الأنقلاب التهاء البيت السياسي التركي بترتيب أوراقه فضلاً عن طاعته للولايات المتحدة وبالتالي كان تمرير تلك الخطة تتم بسهولة وبيسر وكما هو مقرر لها ومتفق عليها من أن الامريكيين يطهرون ويباركون والايرانيون يصفون ويتواجدون كما حدث ويحدث في الكثير من مناطق العراق لأعتبارات أستراتيجية بعيدة المدى تخدم مصالح الطرفين ، والأمر الذي بات لايختلف عليه أثنين هو أن القرار العراقي الداخلي منه والخارجي باتت شرعيته يطغى عليها العمالة المفضوحة لصالح إيران وأجندتها المعروفة في المنطقة ودون أن يتقاطع طبعاً مع المصالح الأمريكية فيها ويصوروه للعالم على أنه قرار وطني مستقل وشتان ما بين قرار الأصيل ووكالة الوكيل .