الرَّهْصُ : شدة العصر
الدول القوية تتمتع بسيادة مطلقة وقدرات كبيرة لسحق الدول الأخرى والقبض على مصيرها , ومصادرة هويتها وتحويلها إلى وجود منقوص السيادة وفاقد الإرادة.
ويبدو أن بعض الدول الكبرى التي لم تغتنم فرصتها في حينها ولم تستثمرها بحذاقة ومهارة وحكمة , قد إستعادت وعيها بعد عقود , فأخذت تسعى للهيمنة من جديد وفرض إرادتها بالقوة والتهديد , وخصوصا على الدول التي تعتمد عليها بالمساعدات الإقتصادية والعسكرية , وتتعامل معها على أنها رهينة وعليها أن تتصرف وفقا لذلك , فإعطاء المساعدات والمعونات لا يمكنه أن يكون بلا مقابل , وهذا يعني أن الإعتماد على قوة أخرى يساوي الإستعباد ومصادرة الإرادة والتحول إلى تابع.
وعليه فأن الدول التي تتمنطق بالسيادة وهي تعتمد على غيرها في سلاحها وإقتصادها , إنما هي دول هذيانية , وما تصرّح به محض أكاذيب وأضاليل لا معنى لها ولا قيمة ولا دور أو أثر.
إنها دول تنفذ وحسب , ولا تمتلك حق إختيار أو تقرير مصير , لأنها مقبوض عليها ومطوّق عنقها بالحاجات , والإعتمادات المصيرية على الآخرين الذين روّضوها , وأوصلوها إلى حالة السقوط في أحضانهم أو الوقوع في مصيدتهم , فتحسب نفسها صيادا وهي صيدا.
هكذا تبدو التفاعلات القائمة بين دول العالم , وكأن الوجود العالمي سُلّمي المواصفات , فبعض الدول في أعلى السلم والأخرى في الأسفل , وما بين الأعلى والأسفل تتوزع دول الدنيا , فالدول الأعلى تدوس على رأس الدول الأسفل , وتمضي مسيرات سحق الرؤوس والحياة قائمة والحروب دائمة والنزاعات دائرة , ومَن يتسلق يدوس على رأس من يتزحلق ويركل من يتدحرج.
وبهذا فأن السيادة المدّعاة لا يمكنها أن تكون كاملة , ودرجة كمالها تتناسب طرديا مع قدراتها التسلقية لسلم الوجود الأرضي , فكلما تسافلت فقدت نسبة ما من سيادتها , وكلما تسامقت إكتسبت نسبة ما من السيادة , وضع أية دولة في هذا المعيار أو المقياس وستعرف نسبة سيادتها وقدرتها على تقرير مصيرها.
ففي دنيا الغاب لا يوجد أخذ بالمجان , فلكل عطاء ثمنه!!
صادق السامرائي