18 ديسمبر، 2024 6:00 م

مع الإعلان عن حوار أو مباحثات عراقية أمريكية في ظل حزمةٍ من الأزمات التي حصلت مرحلياً خلال هذا العام أو استراتيجيا عبر العلاقة الخاصة بين العراق والولايات المتحدة التي شنت حرباً وأسقطت نظامه وجلبت معارضيه ووضعت لهم خارطة طريق لنظامه السياسي ودستوره ومؤسساته في القضاء والإعلام والجيش والمؤسسات ( المستقلة) على هواها . ولغرض اعطاء الموضوع جانبا أكاديمياً بقدْرٍ ما خلال كتابة موضوع بعيد عن الإنفعال والإنشاء (الوطني) ، بذلتُ جهداً مناسباً خلال الفترة الماضية في استدعاء مدونات علاقة العراق بالدول الكبرى والمعاهدات التي كان (طرفاً ) فيها من 1930 مع بريطانيا الى معاهدة او اتفاق العراق والولايات المتحدة عام 2008 مروراً بجميع المعاهدات التي عقدت في سياق التاسيس وأبرزها معاهدة پورتسموث الشهيرة عام 1948 التي يمكن الرجوع لها ببساطة ومعرفة تفاصيلها وما أعقبها في تاريخ العراق الحديث من الانتفاضات والثورات والإستغلال السياسي الذي نتج عنها، الإطلاع على هذه العينات والعمل على كتابة مقال منهجي يعتمد الوقائع والفرضيات والمقدمات والنتائج يواجه حقائق صادمة ، أولها أن العراق لم يكن دولة كاملة السيادة في يومٍ ما ، فقد كان على أنقاض الحرب العالمية الثانية في جميع اجندة الرعاة والبُناة بمثابة (نائب دولة) وليس (دولة اصيلة) .لذلك لم يكن طرفا يملك مفاتيح وضغوطا واوراقاً يناور بها في التفاوض مع اي جهة سواء البريطانيين في النصف الاول من القرن الماضي او الامريكان في النصف الاول من القرن الحالي . وحين غادر هذان الراعيان العراقَ بين هاتين المرحلتين واصبح أمره بيد أبنائه ، نعرف جميعا ما حل به من افتراس ودماء وحروب وضياع ثروات حصد نتائجَها الدُّ أعدائه ،فبقي عليلاً بين نصفي القرنين ذينك. ابرز ما يعيق البحث المنهجي حول مفاوضات او حوار او مطالب في اقل تقدير هو التناقضات العراقية ذاتها ، ففي الوقت الذي حاربت فيه حكومة مابعد نيسان 2003 والاكثرية الشيعية فيها الارهابَ والقاعدة ومن تعاون معهم لاخراج الأمريكان بالقوة وضرب الدولة الجديدة ، ناتي اليوم لنريد اخراجهم بالقوة بعد ان خرجوا عام 2008 سلمياً ودعوناهم 2014 ضمن تحالف دولي لاعانتنا على داعش الذي اراد ان يلتهم بلادنا جميعها ، الذين طلبوا عودة الامريكان ضمن تحالف دولي عام 2014 لمحاربة داعش ، يطالبون الان برحيلهم بذريعة ان دورها انتهى مع الانتصار على داعش ودحره ،لكن ذلك ينقلب حين نتحدث عن ضرورة بقاء المقاومة لان داعش مازال موجودا وعملياته قائمة في حدود المناطق المحررة ووديانها ، اعضاء البرلمان من الكرد والسنة يترددون في التوقيع على اخراج القوات الامريكية وهم يغمزون الى الغريم الايراني وأذرعه في الهيمنة على البلاد. بل يحذرون من عواقب إخراج الأمريكان بالقوة أكثر من نفعه. دورة عجيبة في منطق زئبقي حيث يتحول محاربو الفيدرالية والاقاليم الى دعاة لها ، وتراجع دعاتها الى رفضها ،مايطلبه عدوك أمس تطالب أنت به اليوم ، لذلك تاه المراقب بين ماهو معلن وماهو مسكوت عنه، وعليه من المجاز القول اليوم عن مفاوضات وفريقين ومناورات سياسية ،ولغة أمريكا ماتزال هي هي في (الطلب) من العراق وليس التفاوض معه ، بدليل حديث الوفد الأمريكي عن الإصلاحات الداخلية في البلاد ، وضمان حماية القوات الأمريكية العاملة في العراق وتذكيرالوفد العراقي بأسباب وجودها التي مازالت قائمة،وفرض التعاون الثنائي الأمني والتحذير من الجماعات التي تهدد المصالح الأمريكية وإحياء اللجان المشتركة ، والتلويح بدعم الحكومة لتجاوز محنة كوفيد 19 ، وكي نجد موضعا نتحدث فيه لضمان السيادة العراقية كاملة طالبنا بإعادة آثار وأرشيف للنظام السابق تحتفظ به أمريكا فهو من أولوياتنا في المرحلة الحالية. باختصار، نحن نطمح للسيادة كاملة لاشك وهو شعوروطني غريزي مشروع، لكن لابد من الإقرار بواقعية جارحة أن (بئر النفط العملاق هذا ) – العراق – لم يكن طرفاً في محادثات، لاهذه ولا قبل مئة سنة لأنه دولةٌ لم تبلغْ بَعدُ سنّ الرُشْد في الإعتبار الأممي، رغم أهميته الجيوسياسية، ودوره الثقافي والفني، وريادته للشعر العربي الحديث !.