23 ديسمبر، 2024 7:55 م

السومري الدائن في زاهي الكتابة

السومري الدائن في زاهي الكتابة

شرع في الكتابة أول  ما شرع
فوق حجر الحيّة أخضرَ اللّون،
مفعما بالحيوية
غزيرا زاهيا، مخلصا
صادقا موحد الهدف.
نفذ على رقاقات البردي نصوصه النديّة
متلمسا بيراعه المبتَدع وَضْعَ خطة تفتق عنها فكرُ أسلاف له غرقوا منذ أزمان قديمة إذ تاهت سفنهم في بحار مجهولة زمنا غير معلوم وعادوا محملين بقصص لم يسمع بها أحد من قبل.

صمّم عن سابق قصد حروفه بطريقة تحتمل التأويل،
أفعوانيةٌ تتّبع طرقا ملتوية مرمّزة  بعلامات  دالّة حائلة الألوان عصيةٌ على الاستدلال.

نوى أن يكشف عن غموض مقاصده برهافة نهود نافرة تتدلى من شقِّ ثوبٍ طويل وكان في ذلك يكابد العناء كاتبا وحيدا من غير معين،
مستوعبا حقيقة أن الكتابة هي من أكثر الأفعال وحدة في العالم.

أستدرج الكلمات…
وضع لها فخاخا عصية على الاكتشاف من قبل أكثر المعاني دهاءً،
أغراها بجوائز لو هي قتلت من جمل ثانية معان أخرى،
جعلها تهب إليه زاحفة زحف عربات قاطرة،
طويلةً
ضيقةٌ
موطّدةَ العزم ذات هدف وحيد يستقطب كل قواها،
منهمرةً من مناطق الظل في عماء الذاكرة تائقة إلى الضياء.

أقلع بأفكاره رافعا إلى الأعالي صواريها،
راميا بها عرض البحر،
موقعا إيّاها على زبد الموج بتوقيع مخترعها السومري الدائن،
وترك على هامش النص مكانا  لتوقيع المدين.

أقال عثرات الحروف،
سنّن أطرافها  وحكّ لها قشورها
مبتدعا معان حسب أنها سوف تعصى على التقليد،
فمضى يكتب مضلّلاً، مبهماً ، مشوها، واهباً الكلمات فيروسات لتخريب المعاني،
مؤشراً لها وجهتها، ملمحا إلى مقاصدها الثانوية،
معيداً إيّاها إلى جادة الصواب،
وكان ذاك حال السومري حين استهل طريقه إلى زهو الكتابة.

* كاتب من العراق مقيم في اميركا
[email protected]