18 ديسمبر، 2024 4:22 م

السودان: صرخة تحذير، أوقفوهم إنهم يدمرون الوطن… والعرب حاضر غائب

السودان: صرخة تحذير، أوقفوهم إنهم يدمرون الوطن… والعرب حاضر غائب

ان سيناريو الفوضى والخراب من حرق مكاتب وفتح سجون ومهاجمة الوحدات العسكرية والمطارات والقتل العشوائى وترهيب وترويع الآمنين الذي حصل أثناء ما يسمى بـ “الربيع العربي” ، هو بالضبط نفسه نفذته المليشيات المسلحة في السودان .. و هذا ليس تفكير حمديتى .. لكنه سيناريو وحوار واخراج المخرج المسئول عن نشر سيناريو الفوضى في المنطقة، وكانت واشنطن البطل في كل أحداث المنطقة من دون استثناء.

 

لم تُخفِ الولايات المتحدة الأمريكية يوماً مخططها بتجزئة وتفتيت الدولة السودانية، وتقسيمها الى عناوين متصارعة فيما بينها من أجل إضعافها ومن ثم القضاء عليها بعد أن أصبحت رقماً صعباً في المنطقة، فسياسة الإغماء التي تتبعها الولايات المتحدة الآن في السودان عن طريق إدخالها بدوامة الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية والصراعات الطائفية، واستنزاف ثرواتها بمحاربة الإرهاب كل هذه الأمور ليست إلا تمهيداً لإنجاز مشروعها المرسوم مسبقاً وتعمل على تنفيذه منذ سنوات طويلة وأنجزت منه الكثيرحتى الآن.

 

ومن الواضح ، يتمتع السودان بموقع استراتيجي هام في القرن الافريقي حيث يحتوي على موارد استراتيجية كبيرة من الزراعة الى المعادن والتي أهمها الذهب، حيث تختزن جباله وأوديته على حوالي 5% من احتياطيات الذهب في العالم، هذا بالإضافة الى الثروة المائية الهائلة حيث يخترقه نهر النيل بنيليه الابيض والازرق.


بالمقابل تعد حجم السفارة الامريكية في الخرطوم، الأكبر والأضخم في القارة الأفريقية، وكانت تلك السفارة المحرك الأول لكل المؤامرات التي أدت الى تقسيم وتجزئة السودان الى دولتين مستقلتين عندما تم اقتطاع جنوب البلاد لإقامة دولة جنوب السودان التي تحتوي في ارضها على كافة منابع النفط السودانية.


لا زال السودان الحالي من وجهة النظر الامريكية الاسرائيلية بعد اقتطاع جنوبه، دولة عربية لديه من الموارد والخصائص السكانية ما يؤهلها لتشكل تهديداً كبيراً للمخططات الامريكية الإسرائيلية في المنطقة مستقبلاً اذا ما خرج البلد من حالة الفوضى القائمة، لذلك لا بد من تقسيمها الى دولتين واحدة في الغرب والجنوب واخرى في الشمال والشرق السوداني، وهذا بالضبط ما يجري الان حيث تحول الصراع الصامت بين حميدتي الذي يلتف حوله غرب وجنوب البلاد والبرهان الذي يعتبر مناطق الشمال والشرق بيئته الحاضنة.


والمؤشرات تشير الى أن الموقف العسكري بين الطرفين (أي بين الجيش السوداني بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي) لا يوجد أي تقدم لأي طرف على الاخر في المعارك خاصة في منطقة الخرطوم مما يعني ان آلية الصراع اصبحت ثابتة ومستمرة وإن أي من الطرفين غير قادر على حسم المعارك لصالحة، وهذا مما يعمق الصراع العسكري وامتداده الى بقية مناطق السودان، والنتيجة الحتمية استمرار الحرب بين أطرافها والتوسع بنيرانها الغرب والشرق، وهذا مما يشجع الأطراف الأخرى للتدخل في الصراع، وإسرائيل ووفق إستراتيجية المصالح المشتركة مع واشنطن عززت من هذا التوجه بل دافعت بكل ما تملك من وسائل مشروعة وغير مشروعة في تكريس هذا  السيناريو.

في هذا الإطار إن تفتيت وتقسيم السودان قد يقلب الخرائط كلها وأولها مصر والدول المجاورة لها وهي التي تفتح آفاق حرب أهلية بعدوى من الوضع السوداني، وهناك ستكون كارثة التقسيم جزءاً من مرسوم وقعته أمريكا، وحتى ليبيا  وغيرها من الدول المجاورة سوف تجد نفسها في مواجهة مع المليشيات المسلحة، وهنا سيشكل هذا السيناريو حقيقة أساسية مفادها أن سلام وإستقرار السودان يضمن سلامة جيرانها، وفي حال فقدانها هذه الشروط ستكون ملحمة الموت والتقسيم لها ولمن حولها من الجيران.

 

لم يعد خافياً على أحد أن السودان يمر بمنعطف خطير، ويواجه أزمة لها أبعاد سياسية خطيرة، وضائقة اقتصادية خانقة، ومظاهر اجتماعية منفلتة، تتطلب جهداً مخلصاً من الأطراف المتصارعة في البحث عن مشتركات بينهما، تُحدث توافقاً وطنياً حول أجندات وطنية تسهم في الخروج من هذه الأزمة قبل أن تستفحل وتصبح كارثة، تهدد الوطن بمزيد من التمزيق والشتات والحروب.

وموازاة ذلك، إن تطور الأحداث بهذا الشكل، يدفعنا إلى التخوف من سيناريو الحرب الأهلية الذي يهدد السودان فالصراع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع ليس في صالح السودان ولا في صالح مستقبله، بل إنه قد يؤدى إلى عواقب كارثية، أهمها تعميق الانقسام بين أبناء الشعب وتعزيز الفوضى الخلاقة، ما قد يؤدي إلى تشجيع النزعات الانفصالية وظهور دول متعددة جديدة.

 

فالسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا، أين دور مصر من كل ما يجري في السودان من منطلق سلامة السودان المتحد هي من سلامة مصر؟ أدى غياب مصر عن السودان لفترة طويلة الى الكثير من الخسائر للجانبين، وفى غياب الاهتمام الاستراتيجي بالسودان تغيبت مصر كثيراً عن الاستثمار في هذا البلد، بالتالي إن عودة مصر إلى موقع الريادة يمر عبر بوابة السودان الذي ستحتاج لدعمه الأمني باعتباره العمق الاستراتيجي لمصر، ودعمه الاقتصادي لحل مشكلة الأمن الغذائي، ودعمه السياسي في المنظمات الإقليمية والدولية.

 

ومن هنا إن أزمة السودان تصبح أصعب في ظل الضعف العربي، وهي مفتوحة على احتمالات أكبر من التفسخ غير القادر على التحقق في كيانات مستقلة، والسودان من الأمثلة على اجتماع الخطر القطري والقومي، بحكم موقعه في تخوم العالم العربي، وتأثيره على الأمن العربي ككل بشكل مباشر وغير مباشر.

 

وفي المحصلة تعكس الحال التي وصلت إليها السودان مؤخراً دليلاً آخر يقدمه الغرب على مدى الخراب الذي يخلفه وراءه في كل مكان يتدخل فيه معتبرين أن واقع الحال في السودان يشكل الرد البليغ على دعوات التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول والإستقواء بالأجنبي.

وأخيراً بقي أن أقول، إن إستمرار الصراع هو المصير الوحيد الذي ينتظر السودان في المستقبل، وهذا الصراع يمكن أن يستمر نظرياً إلى أجل غير مسمى، وخير مثال على ذلك الصومال، وهي واحدة من بلدان جامعة الدول العربية، التي تعيش على هذا المنوال منذ أكثر من 25 عاماً، لا مخرج من هذا الوضع السيئ إلا بمصالحة وطنية حقيقية، لذا يجب على السودانيين إيجاد حل سريع للتوتر المتصاعد في أنحاء المناطق السودانية لتفادي إنزلاق البلد نحو حرب أهلية من شأنها أن تؤدي إلى معاناة إنسانية واسعة النطاق.

وهنا كلي أمل بعد هذه الفترة العصيبة أن يصبح الحوار ضرورة لا بد منها ولا شيء غير الحوار للخروج من الأزمة ونزع فتيل الإضطرابات وحقن الدماء، ومازال الأمل معقوداً على الحكماء والعقلاء للجلوس إلى طاولة الحوار، هذه الفرضيات تبقى فرضيات حل للجميع لإخراج السودان من هذا المأزق الذي يدمرها يومياً.

 

[email protected]