كنت قد كتبت مقالين عن شخص السيد السوداني تحت عناوين (فزعة السوداني) و (عودة ابن كيفية)، انطلاقا من حماسي الشعبوي المستديم الذي خيَّل لي أن إبن الديرة هو الحل في الزعامة والرياسة، وهنا لا أنكر وطأة “العقدة” بضرورة أن يحكم العراق شروكي، كما عقدة نريد حاكم جعفري، معتقدا بمثل من يشاركني الرأي بأن إبن الداخل الذي ذاق ما ذقناه سينتشلنا من الحرمان والظلم والفوضى، وسيعمل على ترسيخ هيبة الدولة وقوة القانون، آملين فيه أن لا {يغني الاغنياء ويفقر الفقراء}، وأن يُخضع عِز الاتجاهات ورؤسائها تحت كرامة الوطن والمواطن، ولا يعز القبيلة على حساب عز الوطن، وان لايجعل العوائل الاقطاعية والدينية والحزبية كانتونات لها سلطة ونفوذ الدولة . وأن يُنفذ وعوده التي أعادت لنا حلم المنقذ بعد عقود غابرة. لم يكن السوداني صادقاً بوعوده فقد أصبح رقماً مضاف لهماً مضاف، فقد كان الملايين يترقب انخفاض رواتب الرئاسات والمؤسسات المستحدثة والدرجات الخاصة، تلك الرواتب المليارية التي لو خفضت لسدت رمق كل الفقراء والبؤساء في العراق. كنا نتأمل سلم رواتب عادل خالي من التمييز بين وزارة ووزارة، ودائرة ودائرة، وموظف وموظف، كنا نتأمل وقف الهدر واذا بالهدر يزداد، كنا نتأمل وقف الفساد واذا بالفساد يزداد كنا نتأمل وقف المحاباة واذا بالمحاباة تزداد كنا نتأمل وقف التميز واذا بالتمييز يزداد. كنا نتأمل نهاية الفاسدين واذا بالفاسدين هم من يُعنى بمحاربة الفساد وهم سادة الاصلاح، واصبح الفساد تهمة على الفقراء وما دونهم، كنا نتأمل رؤية تحقيق الاحلام بلا طشة، واذا بالطشة تزداد والاحلام تبقى محبوسة، أحلام الاستثمار أصبحت اكبر خدعة وسرقة في وضح النهار، كنا نتأمل معالجة للبطالة المستشرية واذا بالدولة تصبح كلها بطالة مقنعة، كنا نتأمل الاسراع بمشروع التنمية، واذا بمشروع التنمية اصبح جزء من الانتخابات، كنا نتأمل من السوداني المهندس الزراعي ان يجعل الصحراء وقمم الجبال والوديان والارض البور كلها مشاريع منتجة، قبل ان يفترسها الاستثمار وان يمد الصحراء بقناة مياة البحر وعلى ضفاف القناة مشاريع تحلية مياة تجعل الزراعة والصناعة والسياحة فائقة التطور، وفيها كل انواع الحقول وتتوسطها المساكن البيئية الحديثة، وبما يجعل طريق التنمية وري الجزيرة مشاريع تستوعب نصف سكان العراق، كنا نتأمل ان تكون رواتب العراقيين من غير وارد النفط وان يضع السوداني حلاً للرواتب الفائقة والسائبة والرواتب الفائضة لمجاهدي الخارج والرواتب الوهمية ورواتب الفضائيين في كل مفاصل الدولة، كنا نتأمل ان يتعلم اولاد الفقراء في الكليات التي اصحابها سياسيين لان الدولة عجزت عن استحداث كليات، كنا نتأمل تعليم منتج بدل التعليم الأفلاطوني الذي يزيد من البطالة، نريد تعليم مهني ولتذهب الدراسات الانسانية للمتنبي فهي غير ملزمة الان، لا نحتاج الفلسفة والفقه والشريعة والمنطق والتاريخ والسياسية في مشروع ري الجزيرة وطريق التنمية. معاهد الصناعة والزراعة والصحة والتجارة والسياحة تكفي الحلقات الوسطى لكي تنهي البطالة. كنا نتأمل مستشفيات تعالج الفقراء بدلاً من مستشفيات النهب والغلاء، المواطن يتحسر على موعد العملية وقد يسبق الزمن موعدها ويموت المريض ويسجل اسم القاتل( مات بأجله) وليس بسبب السياسيين . آمالنا في السوداني كانت كما في من سلف، لا نطمح بأكثر من العدل والامن والخدمات {خُبْزَنَا كَفَافَنَا}، لم يتجرأ الأغلب فينا على مزاحمة الصف الأول الذي يتقن لعبة سلب الروح والمال والعرق، تلك الطبقة التي ضربت باطنابها عمقنا التاريخي والروحي فأحالت أجدادنا واباءنا (ميت يمشي)، منذ الاقطااااااع ودور “السركال” إلى دور طبقة اليوم التي حولت أبناءنا سراكيل فاسدين وظيفياً خدمة لمأربهم، نعم أنها خيبة أمل، فاليوم يبدوا إننا أمام عقبة جديدة، عقبة الحاكم الذي يُمثل الإقطاع والسركال، عقبة الحاكم الذي يراويك (حنطة ويبيعلك شعير) بوعود لم تحقق لا على مستوى الفرد ولا على مستوى بناء الدولة والقدرات، عقبة أمام حاكم أدرك ان اللعبه ليس في مواجهه الفساد بل اللعب معه، عقبة أمام حاكم اتقن دور من سلف، عقبة ترى في الصناعة والزراعة والسياحة افاً، وللصحة والتعليم تباً، وألف تب لبناء الانسان في وطن اشتهى فيه الحاكم ان يجازي شاب رياضي استمتع بلعبته بأن يهب له الارض والمال، ويهمل متقاعد نزف عمره خدمة لبلده بلا مأوى ولاراتب مجزٍ. الحل في هذا الوطن المنهوب هو تعديل الدستور وجعل نظام الحكم رئاسي بدلاً من حكم العوائل، وان تكون الفدرالية ادارية لكل محافظة فدرالية بدلاً من الفدراليات العنصرية والطائفية الانفصالية، ويكون انتخاب رئيس البلدية والمحافظ والرئيس التنفيذي انتخاباً مباشراً من قبل الشعب وايجاد آلية جديدة عن دور ممثلي الشعب في البلديات والمحافظات والبرلمان وبما ينهي التداخل وحالة الابتزاز والفساد، وننتهي من التهديد والتخويف والتزوير وحرق الصناديق وفي انتخابات نتائجها لا تشكل حكومة بل العوائل النافذة والحاكمة هي من تشكل الحكومة وكل السلطات. ان الاقلية الحاكمة باصوات الاقلية التي لا تزيد اصواتهم عن 20% من نسبة المشاركين في الانتخابات هم سبب خراب هذا البلد، ان الدستور ونظام الحكم والفدرالية الادارية ومعضلة تدخل شيخ العشيرة وشيخ الدين في الامور العامة هي من اكبر المعاضل في تاريخ العراق.
جمعة سلمان