18 ديسمبر، 2024 11:23 م

السوتيان الأسود المتوسط

السوتيان الأسود المتوسط

أنا مولع بمتابعة القنوات اللبنانية، وفي واحد من برامجها ويسمونه ( دمى قراطي ) يتم إستضافة كبار الشخصيات ولكنهم على شكل دمى بينما الصوت التقليد يؤديه شخص ما من خلف الكواليس، ويدعى شربل، قام أحد المحاورين الدمى بتقديم سوتيان أسود من تلكم السوتيانات التي تضعها النساء على صدورهن لتغطية الأثداء الى ضيف حقيقي، ويقوم الضيف السياسي بمسك السوتيان الأسود، وهو يسأل ضاحكا، شو هاد ياشربل؟

يبدو فهم الصحافة والإعلام مختلفا عندنا في البلدان العربية عنه في أوربا والعالم، فهناك ماهو مباح تماما، ويمكن للصحفي أن يلقي البيض الفاسد بوجه سياسي فاسد دون أن يتردد خاصة إن السياسيين غالبا مايتسمون بالعنجهية والرعونة، ولكنهم يبدون قليلي الحيلة في مواجهة وسائل الإعلام، ويحاولون الحفاظ على كياسة بمستوى معين فلايجابهون الصحفيين إلا نادرا، لكننا في الشرق العربي نتحول الى مقاتلين عشائريين حين تهتز شواربنا لكلمة، أو موقف، أو سلوك وظيفي ونعده جريمة ترتكب بحقنا.

ذكرت لبنان لأنه يبدو الأقرب للغرب في تعاطيه الحر مع الصحافة. وليس مثال السوتيان هو الوصف الأقرب لوحده بل هناك آلاف من الأمثلة الشاخصة، بينما السوتيان الذي يتوسط مكان الصدر لايعدو أن يكون حرشة على المزاج الللبناني الرايق، ويعتمد في ذلك على صحافة مسؤولة ومهددة كما حصل لقناة (الجديد) التي هاجمها بعض الزعران لأنها خرجت عن خطوط حمر يرى الزعران ومن يقف خلفهم إنه غير مسموح تجاوزها على الإطلاق.

في العراق يركض المسؤول، وربما المشاور القانوني الذي يعمل لديه، وكذلك بعض المتنفذين الى المحاكم في الصغيرة والكبيرة، ويطلبون محاكمة صحفيين وسجنهم لكلمة، أو موقف، أو تحقيق إستقصائي، وهناك من يطلب غرامة مالية لكن القضاء العراقي يتصرف في الغالب بمهنية عالية، ويرفض مثل هذه الدعاوي، وهو أمر جيد لكنه قد لايدوم بفعل التناقضات والتجاذبات والمعارك الجانبية.

المسؤول وسواء كان وزيرا، أو كيلا في وزارة، أو مستشارا، أو مديرا عاما عليه أن يلتفت الى عمله، ويركز فيه، ويؤدي بشكل طيب بدلا من المناوشات مع الصحفيين، ويظهر وكأنه يعيش حالة من الفراغ اللامتناه في المكان والزمان، ويلجأ الى مثل هذه الألعاب لتمضية الوقت، ويتحول الى تعبير فاشل عن حالة فاشلة في دولة فاشلة تعيش أزمات مستمرة لاتكاد تنتهي أبدا بفعل المحاصصة والفساد والمحسوبية وعدم قبول الآخر.

وذلك مدعاة للقول، إن الفشل علامة تطبع سلوك العديد من المسؤولين الذين لايجيدون أداء الواجب، فينشغلون بالترهات والتفاهات، وملاحقة الصحفيين على الصغيرة والكبيرة.