السن القانوني والتقاعد

السن القانوني والتقاعد

لا بد أن تحديد العمر لإحالة الموظف للتقاعد، قد استند إلى دراسات عميقة أظهرت أن الجسم البشري يمر بتغيرات نفسية وفسيولوجية وبيولوجية وكيميائية ملحوظة مع التقدم في السن. هذه التغيرات قد تؤثر على قدرة الفرد في أداء مهامه بكفاءة كما كان في شبابه. لذا، فإن وضع مثل هذه القوانين يسهم في الارتقاء بمستوى العمل وتقديم الأفضل دائماً.

قانون التقاعد الموحد في العراق بالرقم 9 لسنة 2014 حدد السن 60 كحد اقصى للتقاعد. رغم أن الموظف مهما تقدم في السن يرغب بالبقاء في العمل للحصول على المزيد من المكاسب المادية والامتيازات، إلاّ أن قانون السن التقاعدي هذا يلزم الموظف على التقاعد. القانون فيه فوائد جمة، من أبرزها إتاحة الفرصة أمام جيل الشباب الصاعد ليحل محل المتقاعد ويجد فرصته في الحياة وتكوين أسر جديد. ومن جهة أخرى خدمة الموظف المتقاعد وجعله يرتاح بعد عمر طويل من العمل وإتاحة الفرصة له للتمتع بما تبقى من حياته واندماجه بالمجتمع وانشغاله مع أهله وعياله وأحفاده وانصرافه إلى العبادة والطاعة والاستعداد ليوم الرحيل.

بالفعل فالإنسان عند كبر سنه يضيق صدره ويصبح لا يتحمل المقابل وتقل كفاءة أدائه ولا يتمكن من العطاء كما ينبغي. في المراحل المتقدمة من العمر يصبح المسن ثقيل السمع ضعيف البصر متزمتاً برأيه لا يقبل برأي الأخر ويعتبر نفسه عالماً بكل شيء. حتى في نطاق بيته وعائلته يصبح أحياناً ثقيل الظل تجد أهل البيت يدفعون به إلى المقاهي ليقضي بعض الساعات بعيداً عن البيت. لا يتمكن من مواكبة العصر ومسايرة التطورات التكنولوجية المتسارعة واستخدام الأجهزة الحديثة، الأمر الذي يعود سلباً على سير العمل. مثلاً أننا نجد المتقدمين في العمر من الكتاب مثلاً ما زالوا يكتبون نتاجاتهم الأدبية بالقلم والورقة التي انتهت عهدها منذ أمد طويل أو يطلبون العون من هذا وذاك لكتابة مقالاتهم. في حين أن إرسال النتائج الأدبية والكتابية كلها تعتمد على الكتابة باستخدام أجهزة الحاسوب والبريد الالكتروني وغيره. لذا فان هناك تباين كبير وصعوبة حقيقية في التفاهم مع كبار السن في هذا الخصوص.

تتجلى أهمية قانون السن التقاعدي في أروقة مكاتب منظمات المجتمع المدني ومقرات الأحزاب التي أصبحت متنفساً للمتقاعدين. المتقاعدون هم رواد المقرات وفي كثير منها  تجد المتقاعد يتحكم بزمام الأمور ويتذمر من الآخرين والآخرين أيضاً يئنون تحت استبداده وبينهم وبين الجيل الصاعد هوة كبيرة. حتى تجد أن الاتحادات التي يترأسها مسن قد تجاوز السبعون يبتعد عنها الشباب ويهجرها الكثيرون حتى يصبح الاتحاد مشلولاً.

لهذا ولأسباب كثيرة فأن السن القانوني للتقاعد أمر مهم ومن قام به يستحق الشكر والثناء. وإلاّ لكان الشباب لا يجدون فرصاً للعمل في دوائر الدولة إلاّ من يتمكن أن يحل محل من يتوفاه الله.

أحدث المقالات

أحدث المقالات