ذكرنا في التأمل السابق مفهوم السنة عند المذاهب الاربعة وفي هذا التأمل سنقوم بشرح مفهوم السنة في المذهب الشيعي وبيان مدى الإختلاف بينهم.ينطلق فقهاء الإمامية في فهمهم للسنة من رؤيتهم في تحديد من هو المعصوم بالخصوص فلمّا ثبت لديهم أنّ المعصوم من آل البيت يجري قوله مجرى قول النبيّ من كونه حجّة على العباد واجب الاتّباع ، فقد توسّعوا في اصطلاح السنّة إلى ما يشمل قول كلّ واحد من المعصومين أو فعله أو تقريره ، فكانت السنّة باصطلاحهم : «قول المعصوم أو فعله أو تقريره».(1).والسرّ في ذلك أنّ الأئمّة من آل البيت ليسوا هم من قبيل الرواة عن النبيّ والمحدّثين عنه ليكون قولهم حجّة من جهة أنّهم ثقاة في الرواية ، بل لأنّهم هم المنصوبون من الله على لسان النبيّ لتبليغ الأحكام الواقعيّة ، (2) فلا يحكون إلاّ عن الأحكام الواقعيّة عند الله (تعالى) كما هي ، وذلك من طريق الإلهام ، كالنبيّ صلىاللهعليه وآله من طريق الوحي ، أو من طريق التلقّي من المعصوم قبله ، كما قال مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام :
«علّمني رسول الله صلىاللهعليه وآله ألف باب من العلم ينفتح لي من كلّ باب ألف باب». (3)وعليه فليس بيانهم للأحكام من نوع رواية السنّة وحكايتها ولا من نوع الاجتهاد في الرأي والاستنباط من مصادر التشريع بل هم أنفسهم مصدر للتشريع فقولهم سنّة لا حكاية السنّة.وأمّا : ما يجيء على لسانهم أحيانا من روايات وأحاديث عن نفس النبي فهي إمّا لأجل نقل النصّ عنه كما يتّفق في نقلهم لجوامع كلمه وإمّا لأجل إقامة الحجّة على الغيروإمّا لغير ذلك من الدواعي.على هذا يكون القول بوجود الائمة الإثنا عشرمع النبي-بأعتبارهم خلفاءه- هو الإختلاف الاساسي في مفهوم السنة بين المذاهب الاربعة والمذهب الشيعي خلاف أدى الى الإختلاف في الرؤية والمنهج والتوجه والفهم والتفسير.فيكون تعريف السنة في المذهب الشيعي هو:السنة:هي قول المعصوم وفعله وتقريره مما يتصل بالتشريع وبيان الأحكام.ويتضح الخلاف أكثرفي النقاط التالية:1-يتفق الاصوليون على ان ماصدرعن النبي من قول أوفعل أوتقريروكان صدوره في مقام التشريع فهو سنة.2-يختلفون فيما يصدرعن النبي من قول او فعل أوتقرير ولم يكن صدوره في مقام التشريع فجمهورعلماءأهل السنةلايعتبرونه من مصاديق السنة أما علماءالإمامية فيعتبرونه من مصاديقها.3-مايصدرعن الصحابة من قول أوفعل أو تقريرهومن السنة عند الشاطبي ومن وافقه وليس من السنة عند غيرهم.قال الشاطبي:(سنة الصحابة سنة يعمل عليها ويرجع إليها).(4).4-مايصدرعن الأئمة المعصومين من قول أو فعل أوتقريرهومن السنة عندالإمامية وليس منها عندغيرهم. هذا هو جوهر الإختلاف تقريبا بين القوم وهناك تفصيلات لاداعي لذكرها لأنها تهم المختصين في هذا المجال.للحديث بقية
…………………………………
1- قوانين الأصول 1 : 409.2-) يدلّ عليه ما يدلّ على إمامتهم. فراجع الكافي 1 : 189 و 215 و 286 ـ 288 و 336 و 527 ـ 528 ؛ مصابيح السنّة 4 : 137 ؛ كمال الدين 1 : 252 و 262 ؛ كفاية الأثر : 10 ـ 11.3-) لم أجده في المصادر الحديثيّة بهذه العبارة. وأمّا مضمونه ، بل متنه مع اختلاف يسير موجود في المصادر الحديثيّة للإماميّة والعامّة. فراجع بحار الأنوار 46 : 308 ؛ إحقاق الحقّ 6 : 40 ـ 43 ؛ سليم بن قيس : 213 ؛ كشف الغمّة 1 : 177.وإن شئت فراجع كشف المراد : 364 ـ 372 و 397 ؛ النافع يوم الحشر : 44 ـ 50-نقلا عن المظفر،أصول الفقه،ص492. 4-الشاطبي،الموافقات،ج4،ص74.