لم يكتب في قضية بالقدر الذي كتب في قضيتي الحسين (ع) والوحدة الاسلامية.
ومن افضل من كتبوا في القضية الحسينية هما الشيخ محمد مهدي شمس الدين وعبد الرزاق المقرّم.
ومن نافلة القول ان هذا الترابط في الاهتمام بهاتين القضيتين لم يأت من فراغ فالترابط الجدلي بينهما واضح عملياً لدى اتباع المذاهب الاسلامية وان لم يكن بذات المستوى العقائدي نظرياً، وربما كان السبب الكبير في عدم نجاح الوحدة الاسلامية بسبب تمسك الشيعة بمبدأية هذه القضية وعدم اتخاذ الاخوة السنة موقفاً حازماً متعاوناً منها.
فقد اصبح احياء ذكرى استشهاد الامام الحسين في كربلاء من معالم الثوابت الشيعية التي لايمكن التغاضي عنها في اي حديث عن العلاقة بين اتباع المذاهب الشيعية والسنية. ورغم اننا ثبّتنا في سلسلة ( نحن والاسلام ) موت مايسمى بالوحدة الاسلامية معللين ذلك بالاسباب الواردة في تلك السلسلة الا اننا نوهنا فيها ايضاً الى امكانية التعايش بين اتباع المذاهب كبشر يهدفوا الى تطوير امكانياتهم وبناء انفسهم في طريق التعايش السلمي تماماً كما معمول به في بقية الدول الاخرى.
ان الحديث الصريح يتوجب علينا عدم المداهنة في هذا المجال الحيوي لنكرر ما ذكرناه سابقاً من اننا لسنا على دين واحد وليس كما قال الحسين (ع) حين قال لاعدائه ( نحن واياكم على دين واحد ما لم يقع بيننا القتال ).
بل انتهينا الى انه لا وجود للاسلام على ارض الواقع انما هنالك مذاهب متعدده ولدى كل منها اتباعه ويجب ان يعيش الكل في امان وطمأنينه وحرية رأي وتعبير كامل صيانة لحقوق الانسان التي شرعها الحق تعالى وكل الشرائع الارضية ومن اهمها، بل واساسها اعلان حقوق الانسان الصادر في 1948.
اذن ازاء هذا الواقع الذي لامناص لانكاره علينا التعامل بالقدر الممكن الذي يسمح به هذا الواقع ويؤدي الى تعايشنا بسلام هادفين بذلك بناء انفسنا بشكل حضاري.
وهنا وبهذا المقدار المقيد يمكن لنا السماح لانفسنا بطرح الحوار مع الاخوة السنة حول قضية الامام الحسين باعتبارها القضية الكبرى لدى الشيعة.
ونحن اذ نتطرق لطرح هذا الموضوع الخطير مع الاخوة السنة انما نعني الجزء الكبير الغير متطرف منهم وبغض النظر عن الطقوس التي تمارس من قبل الشيعة في احياء هذه المناسبة، فلدى الغالبية الشيعية العظمى ملاحظات على الكثير من هذه الشعائر والطقوس وسيكون لنا حديث خاص بهذا الشان.
وعليه فان ما دأب عليه الاخوة السنة من رفع علامة الاستفهام على نهضة الامام الحسين التي عبر عنها البعض منهم بانه (ع) وقع في تناقض الموقف ، فبالوقت الذي كان يتخذ من دعوة اصلاح وضع الامة طريقاً لثورته كان يصبو في ذلك تحقيق هدفه في استلام السلطة وهو ما يعد ازدواجية في الموقف.
لا اريد التعرض الى ما ذكر حول القضية الحسينية من آراء مكتوبة او مرئية او غيرها انما احاول حصر الموضوع بمعالم محددة واضحة وهي اربعة معالم فقط، وهي جديرة بتوضيح الحقيقة بشكل لالبس فيه راجين
من الاخوة السنة اعادة النظر بالمواقف الضبابية التي لازالة تعتمد لدى الاغلبية منهم والمجسدة بمقولة (سيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين) وهو امر يحاول التوازن بين الحالتين بل والتساوي بينهما، هذا التساوي النظري يبطن بين طياته الولاء ليزيد بشكل غير واضح باعتباره هو القاتل وعدم ادانته لقتله ابن بنت الرسول (ص) وثانياً الزعم بان الحسين قد خرج على خليفته فهو بهذا المنظور يعتبر خارجي وجب قتله.
ولتبيان موقف الحسين الواضح وبشكل فاصل نتطرق الى الامور الاربع لاغير:
* عندما عزم الحسين على الخروج للتصدي لسياسة يزيد اعلن ان ثورته انما هي ( لطلب الاصلاح في امة جده ). ومن نافلة القول ان دعوى الامام الحسين هذه لم تاتي من فراغ او هي قفز على الواقع المعاش انما كان الوضع الذي يعيشه يزيد بعيد كل البعد عن الروح والمنهج الاسلامي بكل معطياته.
* عرض على الحسين العفو واخلاء سبيله ان تنازل الى يزيد واعترف ببيعته له ولكنه ابى ولم يؤثر السلامة البدنية على سلامة الموقف والمبدأ. وبذلك يدحظ كل ما يثار حول ثورته من انه كان يبتغي السلطة وليس الاصلاح، فلو كانت السلطة هدفه لآثر السلامة بكل تاكيد وهو يرى الحشد العسكري الكبير ضده الذي مآله الشهادة له ولاصحابه لامحالة وحسب كل المعطيات والتحليلات.
* جسد مبدءاً عالمياً بتوجيهه رسالة موقف عالمية وكانه يخاطب العالم كله بقوله ( يزيد شارب الخمور هاتك النفس المحترمة ومثلي لايبايع مثله ). هذه الرسالة انما هي منهج انساني عالمي لايخص المسلم فقط انما يخص الانسان بصورة مطلقة وهي بذلك تعتبر رسالة عالمية تؤكد وجوب التصدي لكل ظالم وعدم مبايعته وصون كرامة الانسان تماماً كما تنص عليه كل شرائع حقوق الانسان.
* واخيراً فقد منَّ الباري تعالى على هذه الثورة بتهيأته لاشتراك عناصر من الوان واطياف متعددة رغم قلة ذلك العدد الذي ناصر الحسين وهو امر يستحق الوقفة باجلال والتمعن في حكمة تنوع هذه المشاركة فقد احتوت الطفل والشيخ الكبير والمسلم والنصراني والابيض والاسود .. الخ.
هذه الامور الاربع تجسد وتحدد ماهية الثورة الحسينية بانها ثورة ذات هدف محدد بعيد عن تسلم السلطة انما هو الاصلاح وارجاع الامور الى نصابها الاسلامي النبوي الصحيح لاغير على حساب حياة الحسين وحياة كل الذين استشهدوا معه وتحمل بقية الذين تم سبيهم ذلك العذاب المعروف.
من هنا لنا ان نتسائل، الا يجب على الاخوة السنة اعادة النظر في مواقفهم والاشتراك مع الشيعة في احياء هذه الذكرى وبالشكل الصحيح الذي يتناسب وعظمة هذه الثورة والابتعاد عن ما ينقص قدرها؟، بل ولعلهم يساهموم في ترشيد هذه الشعائر ويحددون موقفهم بمؤازرتهم للحسين ضد ظلم يزيد واستخفافه بالمنهج الاسلامي وهو امر سيقربهم اكثر من الطرف الشيعي ويخفف كثيراً من التطرف والمعادات بين الطرفين رغم اننا ندرك ان اللقاء بين الطرفين على منهج الوحدة الاسلامية ميئووس منه كما اسلفنا ولكن ليكن هذا القدر البسيط ممكن التحقيق ( فما لايدرك كله لايترك جله ) كما يقال.
والله تعالى من وراء القصد.