23 نوفمبر، 2024 4:51 ص
Search
Close this search box.

السلوك العسكري الامريكي الخارجي

السلوك العسكري الامريكي الخارجي

قبل ان تعبر اهتمامات امريكا المحيطين باتجاه العالم القديم مع بداية القرن العشرين، كانت قد خاضت على مدار قرن وربع قرن 1775- 1898 منذ نشأتها الاولى خمس حروب اهلية واقليمية في عالمها الجديد.
ومنذ بدء القرن العشرين وحتى عدوانها على العراق في كانون الثاني 1991 خاضت امريكا عشر حروب وتدخلات عسكرية مباشرة كلفتها اكثر من 634 الف قتيل واكثر من 557 بليون دولار، هذا فضلاً عن تدخلها ودورها غير المباشر في حروب العالم الثالث وصراعاته بعد الحرب العالمية الثانية، حيث قتل 18 مليونا في حوالي 118 حرباً.
ولقد لعب السلوك العسكري الخارجي لامريكا، كجزء من استراتيجيتها الشاملة دوراً رئيسا في الحروب والصراعات الدولية، ومع تفردها بالسيادة الدولية تزداد اهمية هذا السلوك وضرورة وعي اطراف الصراعات المختلفة لابعاده ومحدداته.
وباستقراء تاريخ الحروب خلال القرن العشرين والدور الامريكي فيها عبر مكونات القوة الامريكية، نستطيع ان نحدد اهم سمات ومحددات السلوك العسكري الخارجي لامريكا المتمثلة في:
1- خدمة المصالح الامريكية وحمايتها: تبنى السياسة الخارجية لدول العالم حالياً على المصالح فقط. فالنزعة المصلحية هي التي تسير العلاقات الدولية. وبالنسبة لامريكا، فان مصالحها تقسم الى ثلاثة اقسام رئيسية هي: مصالح حيوية –مصالح حرجة- مصالح نائية.
فأمريكا، مستعدة للدفاع عن مصالحها الحيوية بقوتها العسكرية المباشرة، الامر الذي يدخل من يحاول مقاومة الادارة الامريكية داخل هذا المجال في مواجهة عسكرية مباشرة مع اقوى قوة في العالم.
وقد وضعت وزارة الدفاع الامريكية بعد حرب فيتنام خمسة شروط يجب توفرها قبل ان تتدخل عسكرياً في اي صراع، وهذه الشروط، هي:
* ينبغي ان يكون الصراع حيوياً لمصالحها القومية او لحلفائها.
* عندما تستخدم قواتها، فأنه يجب ان تستخدمها بهدف واحد، وهو ان تكسب.
* يجب ان تتدخل في صراعات تكون قادرة على كسبها.
* ان يكون لديها تأكيد مسبق بتأييد الكونغرس، ضماناً للنواحي القانونية الداخلية.
وفي المصالح التي لا تستدعي تدخلا عسكريا مباشراً –وهي المصالح الحرجة والنائيةوالمصالح الحيوية المستقرة- فيقتصر السلوك الامريكي على تقديم المساعدات العسكرية للاطراف المدافعة عن تلك المصالح اضافة الى عسكرة المساعدات الاقتصادية وتوجيهها بما يخدم المصالح الامريكية.
ان الاصطدام مع مصالح امريكا يعني المواجهة مع سلوكها العسكري الخارجي الذي يحمي هذه المصالح، وادراك تلك المصالح وديناميكيتها –اي قابليتها للتغير- تعطي فرصة للابتعاد عن المواجهة
او تأجيلها على الاقل، فضلاً عن القدرة على التعامل مع هذه المصالح بل تغيرها كذلك لتحقيق اكبر قدر من المصالح.
2- المجهود الجربي الضخم: افنى الامريكيون في كل حروبهم اكثر من مليون قتيل وعلى الرغم من خسائرهم البشرية الكبيرة في حروبهم السابقة، فقد ضحوا بعدها بحوالي 405399 قتيلاً ثم 58 الف قتيل في فيتنام، ورصدوا 50 الف قتيل لحربهم العدوانية ضد العراق في 1991.
فمقولة ان الرأي العام الامريكي لا يتحمل الخسائر البشرية مقولة غير ابدية لسبب بسيط هو ان الرأي العام نفسه ظاهرة متغيرة الاتجاه، ويمكن التحكم في وجهتها من خلال ما يسمى بصناعة الرأي العام. فضلا عن ان الرغبة في السيادة الدولية والانتصار بأي ثمن من الصفات الاساسية للشخصية القومية الامريكية.
فامريكا تنفق حوالي 16% من اجمالي انتاجها القومي على الدفاع، كما تقدم 6% منه كمساعدات عسكرية. فحساب المجهود الحربي الامريكي المتوقع في اي صراع حالي او مستقبلي، ينبغي ان يقوم على حسابات موضوعية لاجمالي القوة الامريكية بعناصرها المختلفة –الاقتصادية والجغرافية والصناعية والعسكرية والبشرية المتقدمة الهائلة- وحتى لا تؤدي هذه الحسابات الموضوعية الى اليأس والاستسلام للهيمنة الامريكية، فلابد من دراسة واعية للتجارب البشرية التي استطاعت مقاومة هذه القوة العظمى.
3- الدمار الكثيف لقدرات الخصم: وهذا يشمل كافة القدرات –عسكرية، مدنية، اقتصادية، بشرية –باستخدام كافة الوسائل المحرمة دولياً- نووية، كيمياوية، بيولوجية، تقليدية وغير تقليدية –ومن امثلة ذلك الدمار الكثيف: استخدام الاسلحة الذرية ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية والقتل المباشر لحوالي 6 ملايين نسمة منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك في عشر حروب وتدخلات عسكرية مباشرة قامت بها امريكا خارج حدودها. وتتضاعف ضحايا السلوك العسكري الامريكي الخارجي اذا ما اضفنا اليه ضحايا الدمار الامريكي عبر الوكلاء.
ان المبدأ الامريكي الخاص بالدمار والانتقام الكثيف في الوقت والزمان وبالوسائل التي تحددها امريكا، قد طبق منذ الحرب العالمية الثانية. وحتى عدوانها على العراق عام 1991، وسيزداد العمل بهذا المبدأ في المستقبل اذا ما انفردت بالسيادة الدولية.
4- الارتباط التصاعدي مع درجة السيادة الدولية: ويعني به العلاقة الطردية بين استخدام لمجموع قوتها الذاتية كأداة سياسية قسرية لفرض ارادتها على الآخرين وبين حجم قوتها المؤثرة في الساحة الدولية.
ففي ظل الهيمنة المتفردة لامريكا وفي ظل اصرارها على تزعم ما يسمى بنظام عالمي جديد، ستكون امريكا القوة التنفيذية الاولى لهذا النظام الجديد، مما يعني تصاعد استخدامها لسلوكيات عسكرية لتحقيق هذا النظام، وسيكون الميدان الرئيسي لهذا القسر –القهر الاجباري- الخليج العربي، حيث توجد
معظم الثروات الطبيعية وفي مقدمتها النفط التي تمثل قمة مصالح الدول الرأسمالية الصناعية بقيادة امريكا.
5- التحكم في النشاط الاقتصادي للمنافسين وتنشيط دورة الاقتصاد الامريكي: يمثل الاقتصاد مكوناً اساسياً داخل منظومة القوة الوطنية لاية دولة، وقد تضاعفت اهمية هذا المكون ودوره بعد العدوان على العراق عام 1991، لاسباب عديدة، اهمها –ان أمن امريكا يعتمد على اقتصاد قوي، وهذا يعني ضمن ما يعنيه توجيه السلوك العسكري الامريكي الخارجي الى خدمة الاقتصاد الامريكي وتنشيط دورته عبر التجارة الخارجية والى التحكم في النشاط الاقتصادي للمنافسين. وعلى هذا الاساس اتبعت امريكا سياسة –الحرب مقابل الثروات- وعدم التورط في صراعات تستهلك الثروات. وقد اورد المؤلف مثالاً على ذلك، العدوان الامريكي على العراق واعتبره نموذجاً تطبيقياً للسلوك العسكري الامريكي الهادف الى تحقيق التحكم في النشاط الاقتصادي للمنافسين، وتنشيط عجلة الثروة للنظام الاقتصادي الامريكي، وهذا راجع للاهمية الاقتصادية للخليج الى اختزانه حوالي 58% من الاحتياطي العالمي للنفط. فاذا كانت الحضارة الحديثة وصراعاتها تعتمد على الطاقة، فان الخليج هو الكنز العالمي الاول لهذه الطاقة، ولذا فقد تحركت العسكرية الامريكية صوبه لتحقيق هدفين رئيسيين هما:
أ- التحكم في النشاط الاقتصادي للمنافسين.
ب- تنشيط عجلة الثورة الامريكية.
ان حضارة اليوم، هي حضارة نفطية في معظمها. وهو ما يهم امريكا التي تسعى الى احادية السيادة الدولية، وهي تدرك اهمية السيطرة على الخليج النفطي نظراً لاعتمادها هي ومنافسيها اقتصادياً على الخليج. ولهذا وجهت امريكا سلوكها العسكري للتحكم في اقتصاد منافسيها عبر نوع من السيطرة على نفط الخليج وثرواته.
وعلى اساس ما تقدم.. جاء استبدادها الدولي او ما يعرف في القاموس السياسي “بدكتاتورية الامم”. بمعنى فرض دولة ما او تحالف دولي معين ارادتها او ارادته على وحدات دولية اخرى بكافة الوسائل المتاحة، بما يحقق اهداف ومصالح الطرف الاول بغض النظر عن مصالح الطرف الثاني والمبادئ والقوانين الدولية السائدة.
والاستبداد الدولي تدور الياته داخل دائرة العلاقات الدولية، وقد نتج عن جملة محددات تتحكم الان في العلاقات الدولية والبناء السياسي الدولي. فعلى صعيد السياسة الخارجية الامريكية، فانه على الرغم من ان امريكا تزعم انها راعية الديمقراطية في العالم وحامية حقوق الانسان والامن والسلام في العالم، فقد تميز سلوكها الخارجي كدولة تجاه بقية وحدات العالم بالاستبداد وسيطرة دكتاتوريتها المصلحية.
فعلى المستوى الدولي وخلال احداث 1990- 1991 انحصرت السلطة الدولية في يد امريكا في اتخاذ قرار الحرب او السلم وفي تشريع القرارات الدولية وفي توزيع الحصص المالية على ممولي الحرب وفي التحكم
باقتصاديات الشعب العراقي بل وفي اطعامه وتجويعه وفي التوجيهات الداخلية لحكومات الخليج وفي غيرها من الشؤون.
ويبدو الاستبداد الامريكي في عدوانه على العراق 1990-1991 واضحاً على ثلاثة مستويات هي:
* استبدادية الاهداف: فقد اعلن بوش بعد بدء العدوان بساعتين، ان من اهداف العدوان سحق امكانات العراق في صنع قنبلة نووية/ تدمير منشآت الاسلحة الكيمياوية في العراق/ تدمير الجزء الاكبر من معدات القوات العسكرية العراقية/ حماية امن الكيان الصهيوني بتعديل ميزان القوة لصالحه وباقامة نظام امني ضمن محيطه الاقليمي.
* ميكافيلية الوسائل: فقد سعت امريكا الى تحقيق اهدافها بكافة الوسائل، سواء كانت اخلاقية او غير اخلاقية، مشروعة او غير مشروعة طبقاً لمبدأ –لا اخلاق ولا استرحام في السياسة الدولية-.
* الاستبداد، الاستقرار، مستقبلاً: وذلك على الاقل بخصوص المستقبل القريب باعتبار ان امريكا المنتصر الوحيد في هذا الصراع الدولي نتيجة للفراغ الدولي الذي خلفه انزواء الاتحاد السوفياتي.
ان العدوان –اي عدوان- يخلص المؤلف هو اشد الجرائم قسوة التي ترتكبها الانسانية ضد نفسها. وقد اكد لنا التاريخ ذلك كما ان اي مسلك آخر يقدم عليه الانسان لا يساوي الرعب الناتج عن الحروب. واذا اراد المجتمع منع الحروب العدوانية والسيطرة على مسببيها ومعالجة تبعاتها وتجنب عواقبها، فعليه ان يتخذ اجرائاته لتنفيذ القوانين المصممة لمثل هذه الاهداف، والى ان يصبح بالامكان اعتبار الاقوياء على قدم المساواة مع الضعفاء عندما يتعلق الامر بجرائم الحرب العدوانية، فان حكم القوة ستكون له اليد العليا، وسيبقى العالم كما قال الاثينيون (مكانا يفعل فيه الاقوياء ما يريدون ويعاني فيه الضعفاء كما تجب عليهم المعاناة).
* الكتاب
الخبرات التاريخية وحرب الخليج 1990-1991 –توفيق غانم، ط 1 ، منشورات معهد الدراسات السياسية – اسلام آباد.
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات