إن اصعب مشكلة في تفاقم ظاهرة الفساد هو تحوله لثقافة مجتمعية تعيشها الأمة وتلقي بضلالها على مختلف نواحي الحياة ,فمن السهل جداً معالجة جميع المشاكل التي تعصف بالدولة ,الا مشكلة انهيار المنظومة الاخلاقية باعتبارها الركيزة والنواة التي تقوم عليها مسار الأمم ,فأثرها على النواحي الاجتماعية يتمثل أن الفساد يؤدي إلى خلخلة القيم الأخلاقية والى الإحباط وانتشار اللامبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع, وبروز التعصب والتطرف في الآراء وانتشار الجريمة كرد فعل لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص ,كما يقود الفساد إلى عدم المهنية وفقدان قيمة العمل والتقبل النفسي لفكرة التفريط في معايير أداء الواجب الوظيفي والرقابي وتراجع الاهتمام بالحق العام والشعور بالظلم لدى الغالبية مما يؤدي إلى الاحتقان الاجتماعي وانتشار الحقد بين شرائح المجتمع وانتشار الفقر ,ثم ينتقل ليؤثر على سير عجلة التنمية الاقتصادية بنتائج سلبية منها :الفشل في جذب الاستثمارات الخارجية ، وهروب رؤوس الأموال المحلية،فالفساد يتعارض مع وجود بيئة تنافسية حرة التي تشكل شرطا أساسيا لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية على حد سواء، وهو ما يؤدي إلى ضعف عام في توفير فرص العمل ويوسع ظاهرة البطالة والفقر,وهدر الموارد بسبب تداخل المصالح الشخصية بالمشاريع التنموية العامة ،والكلفة المادية الكبيرة للفساد تنعكس على خزينة العامة كنتيجة لهدر الإيرادات العامة,والفشل في الحصول على المساعدات الدولية للنهوض وبالاقتصاد كنتيجة لسوء سمعة النظام السياسي الباعث لعدم الثقة في تسديد ماعليه من مستحقات مديونية أو لأن ما يقدم له من دعم مالي لا يصرف بالطريقة الصحيحة ,وهجرة الكفاءات الاقتصادية نظراً لغياب التقدير وبروز المحسوبية والمحاباة في أشغال المناصب العامة ,ثم تأتي خطورة الموقف في فساد النظام السياسي فهو يؤثر على مدى تمتع النظام بالديمقراطية وقدرته على احترام حقوق المواطنين الأساسية وفي مقدمتها الحق في المساواة وتكافؤ الفرص وحرية الوصول إلى المعلومات وحرية الإعلام،كما يحد من شفافية النظام وانفتاحه على طبقات المجتمع كافة ,ويؤدي إلى حالة يتم فيها اتخاذ القرارات حتى المصيرية منها طبقا لمصالح شخصية ودون مراعاة للمصالح العامة ,ويقود إلى الصراعات الكبيرة إذا ما تعارضت المصالح بين مجموعات
مختلفة حول المغانم ,ويؤدي إلى خلق جو من النفاق السياسي كنتيجة لشراء الولاءات السياسية بعدم وجود موقف سياسي موحد حول الخطوط العامة التي تشكل ملامح الدولة ,وإلى ضعف في المؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني ويعزز دور المؤسسات التقليدية ، وهو ما يحول دون وجود حياة ديمقراطية ,كذلك يسيء إلى سمعة النظام السياسي وعلاقاته الخارجية خاصة مع أسرة المجتمع الدول،ويضعف المشاركة السياسية في الذهاب لصناديق الاقتراع للانتخابات نتيجة لغياب الثقة بالمؤسسات .
أن افضل طريقة لمحاربة فساد السلطة تكمن بمجيء شخص مصلح مخلص نزيه لديه مشروع إصلاحي يريد تحقيقه في مؤسسات الدولة ,ويؤمن بنظرية تأسيس مؤسسات حكومية مهنية عالية بعيدة عن التحزب والتخندق والطائفي ,يأتي بمن لديه مؤهلات علمية وعملية ترتقي بمستوى النجاح مقتدر على مواجهة الصعاب والتحديات يخوضها بروح الفريق الواحد مع طاقمه ,لا الإتيان بشخص غير كفء لا من حيث الشكل والمضمون ,لا يعرف أي شيء عن طبيعة عمله تسند اليه المناصب لمجرد انتماءات فئوية ضيقة ,لا يمتلك أي رؤى وخطة أفق في المستقبل وظيفته جني الاموال وترك المركب تغرق بمن فيها أن تعرض لأي صدمةٍ وريح .