22 ديسمبر، 2024 11:36 م

السلطة وإضطراب السلوك!!

السلطة وإضطراب السلوك!!

الطبيعة البشرية تدفع بالبشر الذي يتسلط على البشر إلى سفك الدماء وإنطلاق شهواته وشراهته لكنز المال، وهذه الإضطرابات الثلاثة هي القاسم المشترك في جميع السلطات منذ الأزل ولا تزال فاعلة في معظم السلطات القائمة في الأرض , إلا في بعض المجتمعات التي حاولت أن تضبط السلطة بدستور وقانون وبرلمانات ومجالس شيوخ , ومع هذا فأن الإنفلات يتحقق والنزوع نحو تأكيد الإضطراب قائم وفي أقوى الدوائر السلطوية.
والتأريخ يخبرنا عن ندرة الذين حكموا وتعففوا وزهدوا وإمتنعوا عن الإنفلات السلوكي والرغبوي , وهم الذين نتحدث عنهم أكثر من غيرهم ونضرب بهم الأمثال , وبأنهم لا يتكررون , لأن الإنتصار على النفس البشرية معضلة كبرى وهزيمة ماحقة سارية في البشر.
ولهذا تجد المجتمعات الخالية من الدساتير الوطنية المٌحكمة والقوانين الصارمة يتنامى فيها الفساد , والسلوكيات المنحرفة والإمتهانات والتفاعلات الرغبوية الصرفة , التي يهمها إرضاء الحاجات الآنية والفورية , مما يتسبب بتداعيات خطيرة في المجتمع.
ولا يمكن لأي دين أن يكبح جماح إنفلات الرغبات والشهوات عند ذوي السلطان بأنواعهم , لأنهم سيجدون في الدين ما يبرر نزقهم وتهورهم وإمعانهم بالتعبير عن الرغبات المطمورة فيهم.
والسر في ذلك أن السلطة مثل الخمر أو المخدرات تحرر الشخص من الرادع الذاتي أو الضابط الداخلي فينفلت ما فيه , لأنه يرى بأنه فوق كل شيئ وله كل شيئ وصاحب القدرة على فعل أي شيئ , فهو الآمر الناهي , والذي يقرر مصير البلاد والعباد.
وتلك محنة كبيرة وعاهة مريرة تدفع الشعوب والمجتمعات ثمنها باهضا وعظيما , لأنها تفقد قيمتها ودورها وتتحول إلى موجودات فاعلة وفقا لما تمليه رغبات المتسلط عليهم والقاضي بتقرير مصيرهم أنى يشاء.
وقد شهدت بعض مجتمعاتنا في القرن العشرين العديد من الذين تسلطوا , وإنفلتت شهواتهم وإنطلقت غرائزهم حتى أصابهم العماء وإنتهوا شر نهاية.
ومن هنا فأن الواقع السلوكي البشري بحاجة إلى روادع وضوابط , ولا فرق بين ما في البشر أيا كان مستواه في المسؤولية والسلطة , وقد وعت هذه الحقيقة المجتمعات المتقدمة , فأسست لأنظمة تشريعية وقانونية تضمن عدم إنفراد الأشخاص بالقوة , وأن تكون مراكز القوة متعددة ومتنوعة ومرهونة بإرادة الشعب المعبَّر عنها بهيئات تشريعية وتنفيذية متنوعة , عليها أن تتفاعل وتقبض على مصير البلاد والعباد ولا تدعه بقبضة شخص مفلوت الرغبات ومطلوق الشهوات.
فهل ستتبصر بعض المجتمعات وتعي ضرورة أن لا تسلم أمرها لفرد أو بضعة أفراد أو أحزاب وفئات؟!!