لا أعرف لماذا يريد الإنسان أن يكون في السلطة؟ فهذه الفئة من الناس تعيش حياة لا تطاق أولها خطر الاغتيال من قبل آخرين يحلمون بالسلطة أيضا. وتقع على عاتقهم مسؤولية اتخاذ قرارات خطيرة تتعلق بمستقبل الملايين من الناس وتمس حياتهم مباشرة، وهذا أمر مرعب بمجرد تخيله. ومن أهم النِعم التي يفقدها رجل السلطة أنه لا يجد وقت الفراغ أو الراحة لنفسه أو لعائلته، لأنه مشغول دائما بحل مشاكل المواطن التي لا تنتهي ووضع الخطط للحفاظ على البلد من المخاطر الخارجية والداخلية وضمان تقدمه في المجالات الصناعية والزراعية والصحية والتعليمية والخدمية. . باختصار، لا يجد ذوي السلطة فرصة لحك رؤوسهم، لأنهم عندما اختاروا الجلوس على كرسي القرار صارت حياتهم مسخّرة لخدمة المواطنين، فيما كان يمكنهم أنش يأخذوا دور المواطن المخدوم.
لا يستطيع أصحاب السلطة أن يتناولوا طعامهم بهدوء، فهناك دائما إمكانية أن يتم مقاطعتهم بشأن أمر ما من شؤون الوطن أو المواطن، ولا يمكنهم أن يناموا بهدوء أيضا، أو يلبوا حاجات أزواجهم، فمشاكل شعب صغير، تعداده مليون مثلا، أكثر من أن يستوعبها جزء من اليوم، أو حتى أثنين وعشرين ساعة منه، لذلك لا يستطيع من أرخى جسده على كرسي السلطة أن ينعم بأكثر من ساعتين من النوم كل أربع وعشرين ساعة على أكثر تقدير. . ليس هناك من وقت خاص لهؤلاء، إن أدمغتهم لا تتوقف عن التفكير حتى في الحمام. . من أين سيحصل المتسلط على فرصة للراحة وهو يحمل على ظهره مسؤولية النهوض ببلد تضرب جذوره عميقا في التاريخ، وشعب لا يكف عن الحلم بمستقبل أفضل؟
كما أن أصحاب السلطة، وأنا مضطر إلى تغيير هذا التعبير إلى تعبير آخر لأن تكراره أصبح مملا، لا يفقدون حياتهم الخاصة فقط، بل سيؤثر موقعهم على حياة عوائلهم وأقاربهم أيضا. ابن أي فرد في الحكومة لا يستطيع أن يتصرف مثل أي مواطن، إنه مرصود بعدسات الكاميرات، وأي تصرف خارج عن سياق سلوكيات ابن الحاكم أو الوزير، ستكون له عواقب مضاعفة عليه وعلى موقع والده، وكذلك زوجة الحاكم وأمه وبنته وباقي أقاربه، عليهم أن يضحوا بالعفوية في تصرفاتهم ويسلكوا كأبناء وأقارب الحاكم.
أن تكون حاكما أو أحد طواقم الحكم هو في الحقيقة لعنة عندما نفكر فيها كمسؤولية، فهي مهنة الأخطار والمتاعب، ولا يمكن لحاكم أن يتوقع رضا الجميع عنه، هناك دائما فئة من الشعب ناقمة عليه وتريد أن تحل محله، فقط لأنها تظن أنها ستدير أمور البلد بطريقة أفضل منه، أو لأنه ارتكب خطأ صغيرا، كما يحدث في البلدان الديمقراطية، يتمثل بتعبئة خزان سيارته بالوقود من خزينة الحكومة.
ومع هذا نرى سعي الكثير من الناس إلى السلطة، لا مفر من هذه الكلمة، واستعدادهم للتضحية بكل ما هو إنساني من أجل الوصول إليها! لماذا يريد هؤلاء التضحية براحتهم وربما حياتهم؟ فكل ما سيحصلون عليه من امتيازات هو أنهم سيحصلون على سكن مجاني في القصر الجمهوري أو القصر الملكي، وأسطول سيارات يرافقهم ليس لهم منه إلا الجلوس في مقعد واحد كما أي راكب في سيارات المواصلات، وطقم من البدلات الرسمية!
وأخيرا، لماذا يسعى شخص ما لتحمل مسؤولية شعب كامل والوقوف يوم القيامة ليحاسب أمام الله تعالى عن كل ما أخطاء به بحق ذلك الشعب؟! إذا لم تكن هناك غايات شخصية ليس لها علاقة بمهامه كمسئول، كأن يخطط لسرقة ثروات البلد وإنفاقها على نفسه والمقربين منه، فيصبح بذلك حاكما ملعونا على صفحات التاريخ كما هو حال حكامنا المصابين بسعار الكرسي دون أن يمتلكوا أي مؤهلات لشغله، ففاحت فضائحهم بسرعة وأبغضهم الشعب حتى أصبحوا لا يستطيعون المشاركة في جنازة دون أن ينالهم غضب الشعب بسيل من الشتائم ويقذفهم بالحجارة والأحذية.
لماذا يتمسك شخص منبوذ من قبل الشعب بالسلطة وهو يعرف أنه سيحبس في قصره، خائفا من أن تناله الأيدي يوما؟! ألا يدل هذا على أنه ليس سويا؟
وأخيرا، مازالت ذاكرة العراقيين طرية بسيرة إنسان سوي قادته الظروف إلى الحكم ذات يوم. فلم يشبع يوما خوفا من أن يكون هناك جائعا يعيش تحت سلطانه، واستمر في ترقيع ثيابه حتى استحى من مرقعها، ولم يغمض له جفن سوى ساعة من كل ليلة، لأنه كان يتقلب على جمر التفكير خوفا من عذاب الله إن هو قصّر في إدارة شئون دولة مترامية الأطراف، فجسد صورة الإنسان المثالي الذي يرعبه كونه حاكما، لأن السلطة في عرفه رعاية أبوية للأمة المتباينة الأهواء والاتجاهات.