بعد امتداد رقعة المظاهرات وتزايد حجم المشاركين فيها في العاصمة بغداد والعديد من المحافظات العراقية، اثر تصريحات المرجعية الشديدة اللهجة الموجهة للمرة الثانية خلال أيام لاقطاب الحكم، والداعمة للمتظاهرين. انتقلت السلطة المطلقة من استعمال الرصاص الحي والغاز المسيل الى القتل عمدا بواسطة المتفجرات والمفخخات الحارقة والقنابل الصوتية والدخانية الشديدة الانفجار ومواجهة الشباب في ساحات التظاهر عسكريا للحد من تواجدهم وانهاء حراكهم باي ثمن.
ليس غريبا ان تمارس “السلطة المطلقة” واجهزتها اساليب العنف المفرط بحق ابناء شعبها عندما يتعلق الامر بمصيرها السياسي. الغريب أن تذهب الى الخداع والكذب والتظليل والاتهام والتصريحات المشبوهة. كالتي صرح بها مؤخرا بعض المسؤولين والمتعلقة بحدثين خطيرين: القول بوجود “طرف ثالث” دون الادلة: مَن وكيف؟. ومسألة “القنابل المحرمة” وما يحيطها من غموض واتهام طرف مجهول لا يمكن الا ان يكون من اتباع السلطة!!. الغريب ايضا أن تظهر فئة الانتهازيين والنفعيين في وسائل الاعلام والشارع “مثقفين وصحفيين ومًن يسمون بمفكرين اسلاميين” للقيام بحرب ما يسمى بـ “خلط الاوراق” باسلوب منمق لا يخلو من مواعظ ورسائل مبطنة لطرف المتظاهرين على سبيل المثال لا الحصر، شعار تسويق ان يكون التظاهر “سلمي” بعيدا عن “العنف”. ايضا التخندق لاشاعة الخوف من “الفراغ الدستوري” المزعوم.. و”العنف” ان حصل، حدث في علم المنطق طبيعي، لا يتناقض “كرد فعل” مع هدف التغيير والاصلاح بدافع الحرص على المصالح العليا للدولة، حينما تنقض السلطة الفاشلة العهد وتتعامل مع المجتمع بإستعلاء وتقوم بقتل الابرياء بدم بارد.
السؤال هل القائمين على رأس السلطة التشريعية، نواب ومستشارين ولجان. والسلطة التنفيذية برئيسها ووزرائها المكلفين بإدارة شؤون الدولة واولئك الذين أوكلت لهم رئاسة الجمهورية والقضاء. ممن يسيطر عليهم هاجس الخوف من السقوط في فراغ دستوري في حال استقالة الحكومة او سقوطها المحتوم تحت الضغط الذي يفرضه الواقع الشعبي الميداني دون هوادة.. هل هم فعلا لهذه الدرجة من السذاجة والغباء حينما يرددون لاقناع المجتمع الذي لفظهم، بأن زوالهم سيذهب بالبلد نحو الهاوية؟.
فاي هاوية اكثر من التي اوصلت العراق اليها هذه الطبقة حتى يخافوا من فراع دستوري تجاوزه الحدث وسجله التاريخ في ذمة العراقيين دون رجعة.. فالعراق وفي اقسى وضع مرّ به على مدى حكم النظام البائد والحصار والحروب والمجاعة والاحكام الجائرة. ومن بعد غزوه في العام 2003 تعطيل الدستور ومؤسسات الدولة وإقرار حل الجيش وقوات حفظ الامن والشرطة من قبل الحاكم الامريكي “بريمر” تحت ضغط واصرار الفئة السياسية من الكرد والعرب الذين جاؤوا مع المحتل لتسلم الحكم. لم يحدث ان ذهب العراق الى المجهول بسبب وعي العراقيين وشعورهم بالمسؤولية ازاء وطنهم الذي احبوه ومن اجل سيادته ووحدة ترابه ومستقبل أبنائه قدموا التضحيات. ان شعار الحراك المركزي في ساحات التظاهر “نريد وطن” شعارا جامعا، يحمل العديد من الدلالات الوطنية والمعنوية والقيمية، ويجسد قداسة “الوطن” أكثر من مفهوم “دستور” تتباكى عليه فئة سياسية ماسكة بالسلطة منذ ستة عشر عاما دون اي جدوى.
ويبدو أن عبد المهدي والحلبوسي وصالح لحد اللحظة لم يسمعوا نصائح العقلاء في المجتمع لان يتداركو الامر وتصويب العقل باتجاه مطالب الجماهير واولها “الرحيل” لابعاد البلاد والعباد من وقوع كارثة قد لا تحسب عواقبها. بيد أن عدم استجابتهم لم تعد لها اي قيمة لانهم في النهاية سيغادرون لأمرين أولهما: انهم شركاء بكل ما حصل ويحصل من فساد وظلم وانتهاك للدستور والقانون. والامر الثاني، انهم جزء من سلطة الدولة العميقة او ما يسمى بفئة “الحيتان” الكبيرة للفساد التي تمسك فعلياً بالقرار السياسي والاقتصادي بإيقاع منضبط وتترأس منظومات حزبية وميليشياوية تملك السلاح. الأمر الذي يضعنا امام حقيقة جسيمة غير استثنائية عابرة. بأن هذه الطبقة التي جاءت للحكم على انقاض حكم طبقة مجرمة، هي طبقة من اللصوص المحترفين، التي لا تريد ان تضع حدا لاستئثارها بالحكم وتوقف استهتارها بالشعب والوطن عبر وسيلة التسويف. ان عادل عبد المهدي الذي استضبع ممارسة السياسة على طريقة والده وتنقل خلال حياته بين احزاب وحركات سياسية مختلفة: الحرس القومي لحزب البعث ومن ثم التروتسكية وبعدها الى الماوية ثم ارتبط بالبعث اليساري الموالي لسوريا ثم انتمائه الى المجلس الاعلى واخيرا سياسي مستقل لم يحصل الا على بضعة اصوات في الانتخابات الاخيرة، وكتلته لا تزيد عن نائبين الا أنه اصبح رئيسا لمجلس وزراء دولة العراق.. يبقى السؤال الهام الذي بالتأكيد لا يستطيع رئيس الوزراء عبد المهدي وحاشيته الاجابة عليه: ما اوجه الصلة بين خوفه من الدخول في فراغ دستوري، وقتل الشباب العراقيين الابرياء؟. الاخطر ان عبد المهدي كما تفسر تصرفاته اليومية، ليس خائفا من الدخول في فراغ دستوري، بقدر خوفه من تركة سياسية وعقائدية وآيديولوجية ثقيلة تهدد مصيره السياسي. وبالنهاية فان الدستور ان تعلق الامر بمصالح هذه الطبقة، لا يشكل جوهر القضية، لكنها مستعدة لان تجاهر بتطبيقه حد تسويف القسم جورا على اللذين يخالفوها. ويبقى القول الفصل، على الشعب في ظرف موضوعي يتناغم بشكل ايجابي مع مجمل الحدث، ان لا يقبل البحث عن مخرجات ترقيعية سوى الاصرار على رحيل هذه الطغمة الفاسدة دون رجعة.