23 ديسمبر، 2024 5:44 ص

السلطة السياسية من مفهوم الدولة الى المصالح الحزبية والفئوية الضيقة!

السلطة السياسية من مفهوم الدولة الى المصالح الحزبية والفئوية الضيقة!

تحت عنوان “اليوم العالمي للأكذوبة السياسية” نادت آنذاك، لتنبيه الرأي العام مؤسسة بيتر فايس Peter Weiss Stiftung للفنون والسياسة في برلين، إحياء الذكرى الثالثة لغزو العراق في 20 آذار 2006. من خلال إقامة النشاطات بمختلف الوسائل السياسية والعلمية والفنية وبواسطة الكاريكاتير والافلام الوثائقية. وتم نشر نص رسالة خاصة بعدة لغات للكاتب الأمريكي المعروف إيليوت فاينبرغر Eliot Weinberger، قرأت في ذات اليوم على نطاق واسع في العديد من المدن: برلين، لندن، سدني، لكسمبورغ، نيويورك، دلهي، لوس أنجلس ومدن أخرى من العالم. يتألف النص من عدد من التصريحات الصادرة عن أعضاء في الإدارة الامريكية وحلفائها قبل واثناء الحرب. إضافة الى مجوعة شهادات لجنود أمريكيين ومواطنين عراقيين يتحدثون عن حروب للولايات المتحدة في العراق ما بين 1992 و 2005 التي قضى فيها مئات الالاف من المواطنين وخراب المدن والبنى التحتية والصناعية والثقافية والمؤسسات العامة للدولة. لكن أهم ما جاء في نص الكاتب الأمريكي إيليوت فاينبرغر قوله: مع بدء القرن الحادي والعشرين على المرء ان يدرك ان الاكذوبة مازالت أداة تستخدم من قبل حركات سياسية متنفذة، لكنه من المفروض في الوقت نفسه توضيح ان القوى المناهضة لا يكبح نشاطها ـ من هنا سيجري في اليوم العالمي للأكذوبة السياسية فضح ما سمعته عن العراق!.

على الرغم من مرور اكثر من عقد ونيف على تلك التظاهرة الفريدة من نوعها، والحكومات المتعاقبة منذ احتلال العراق مازالت مستمرة في كذبها على المجتمع. ولم يكن التهريج والمماطلات مقتصرا على أصحاب السلطة فقط، انما باتت ظاهرة لدى بعض النخب الثقافية والإعلامية الذين يرون مصلحة في تجميل صورة الفئات السياسية والأحزاب الطائفية المتربعة على سدة الحكم.

ولازالت البلاد سيما منذ بدء الحراك في أكتوبر 2019 مرورا بالكورونا ومعضلة رئيس الوزراء وتمرير المرشح الثالث، بالإضافة الى معاناة المجتمع، الفساد الإداري والمالي، الصراعات الحزبية لاجل المصالح على الوزارات والمؤسسات. تتعرض، الى أزمات خطيرة سببها الإصرار على التموضع في جزئيات خاطئة في اطار “مفهوم الدولة” وأهم اساسين لها “الحكومة” و “السلطة” المعنيتين وفقا لمبادئ “القانون الدولي” بترشيد طبيعة الحكم وكيفية إدارة الدولة على اثر “جيو ـ تاريخي” يراعي المصالح العامة للمواطنين وإنتمائهم للوطن. أيضا الدستور والصلاحيات والقوانين المتعلقة بالانتخابات والأحزاب وأمن الدولة ومواردها، الخ. للأسف أصبحت كلها في بلاد الرافدين ملتبسة وليس لها خصائص مادية قادرة على صناعة التوازن وتحمل وزر الرقابة والمحاسبة بحق الفاسدين. وفي هذا السياق لا أحد يعرف كيف سيكون بالمقدور تحقيق جميع الالتزامات التي اخذ على تحقيقها رئيس الوزراء الجديد “الكاظمي”، سيما القضايا المصيرية واهمها: الانتخابات وإحتمال عودة النواب الذي جلهم من أحزاب السلطة، وبعضهم يدور حوله جدل وشبهات فساد مالي وتزوير، من خلف الكواليس للعب أدوار جديدة وربما أسوأ من السابق تحت يافطة الشرعية الانتخابية.

مشكلة الدولة في اعتقادي سببها الأفكار والعقائد والثقافة السياسية الفاسدة. التي بدأت أكثر وضوحا بشكل أساسي من خلال التشرذم السياسي ووجود أحزاب غير متآلفة مع الدستور والقانون، وتوليف الصراعات القومية والدينية والعرقية لاغراض نفعويه، أيضا من خلال انعدام حرية التعبير واستقلالية المعتقد. وهي أساسيات هامة في حياة المجتمع، يمكن جعلها مع سيادة القانون امرا ممكنا لازدهار الديمقراطية. لكن عندما تخضع الائتلافات الطائفية بين القوى والأحزاب للابتزاز والمساومات من اجل المصالح الفردية والفئوية، فستتعرض الديمقراطية حتى وان كانت زائفة، الى التلاشي. وبالتالي الى التناحر والانقسام السياسي الذي يؤدي الى انسداد الحكم وانكفاء السلطة والقانون، أساسيات بناء الدولة المتطورة.

لكن دعنا نتساءل ببساطة: ماذا تعني الدولة من الناحية العملية؟ ومن هي السلطة ـ وما هي الحكومة؟ ومن هو الحزب؟. كي نستطيع في شأن كالعراق، أن نحكم بين آراء المجتمع الذي يمثله الحراك وما يطمح الية من خيارات استحدثها لأجل تغيير شامل لشكل نظام الحكم وانهاء احتكار السلطة السياسية والإدارية. وبين مواقف وآراء البعض من طبقة المثقفين والإعلاميين الذين يشكلون رافعة للنفاق والانتهازية ويروجون في وسائل الاعلام وغيرها للفئات والأحزاب المتسلطة عن قصد مدفوع الاجر. في الوقت ذاته يضللون بأسلوب دراماتيكي الرأي العام سيما الشباب والبسطاء. لكن المقارنة، لا نعني بها سجالا بين قطبي الصراع المتناقضين على طول خط الجبهة، انما تحدٍ لما يسود، بين إشكالية التفكير عند هذه الطبقة الهجنة، والواقع الذي تتعرض له فلسفة الحياة بشكل موضوعي لكشف الحقائق.

اذن: الدولة من الناحية الجيوسياسية ـ التاريخية، حسب أعراف القانون الدولي المعاصر ـ أجهزتها، شعبها، مناطقها، اشكالها ـ يرتبط بموجبها الناس بعضهم ببعض في منطقة “أراض” ذات حدود وسلطة سيادية لحماية مصالحهم المشتركة. وقد تم وجود مثل هذا النظام منذ بداية العصر الحديث. في شأن ذلك، يعتمد القانون الدولي على وجه التحديد على أهم الوقائع والمعايير، وفقا لعقيدة العناصر الثلاثة ـ أراضي الدولة وشعب الدولة وسلطة الدولة. فيما تتحدث جوانب أخرى من القانون الدولي عن ظهور وانهيار “أسس الدولة” لكنها تعود من جديد من خلال مؤسسات وأطر جديدة على نحو دمج مقاطعات الدولة القائمة “محافظات او أقاليم” لتتأسس منها الهياكل الحاسمة لما يسمى بالدولة المتكافئة.

وبصفتها موضوعا للنظرية السياسية العامة، فإن الدولة بمفهوم اليوم مرتبطة، بغض النظر عن طبيعة الحكم، بشكل لا ينفصل بـ “شعب دولة” وبصفة عامة شاملة “سلطة دولة”. وكقاعدة عامة: على السلطة ان تتحمل مسؤولياتها بالاستقلال التام في تطبيق القانون على الخاضعين للحكم. بمعنى، ان سلطة الدولة هي سلطة سيادية وسلطة إلزامية، تتميز عادة بصلاحيات محدودة بحكم الدستور الذي يفصل بين السلطات والروابط. أما أجهزة الدولة فهي جميع الأشخاص والمؤسسات والسلطات الذين يشاركون في ممارسة سلطة الدولة بسلطتهم الخاصة باسم وتحت أجهزة الدولة العليا التي تخضع الى المنظومة الإدارية ـ الحكومة “السلطة التنفيذية”، البرلمان “السلطة التشريعية”، المحاكم العليا “السلطة القضائية” والمؤسسات التابعة للسلطات المركزية والإدارات، أي الوزارات.

ويبدو انه منذ العصور اليونانية القديمة، كان انقسام أشكال الحكم، ملكية أو ارستقراطية أو ديمقراطية شائعا، لكنه تمكن في الغالب من بناء الدولة القوية. كما يبدو أيضا، انها أنظمة مختلفة، يتم فيها تنظيم “حكم الدولة” وشكل “سلطة الدولة”، بطريقة وأساليب تحددها الدولة أو الدستور. لذلك يجب التمييز حيثما تمارس أجهزتها سلطة الدولة، بين أشكال الحكم والحكومة. لقد بيّن التاريخ مرارا ان السلطة المحصورة بشخص أو مجموعة تعني في الغالب: الحد من الحريات أو الاضطهاد للآخرين. لذلك فان تقاسم الحكم والفصل بين السلطات الثلاث في الديمقراطيات، يمنع إساءة استخدام السلطة فيما يكفل حرية الجميع.

على هذا النحو فان نظام الفصل بين السلطات، يقسم مهام الدولة الدستورية إلى ثلاثة مجالات واسعة: التشريع والإدارة “التنفيذ” والقضاء. يتم توزيعها بين مؤسسات الدولة المختلفة مع آلية التنسيق فيما بينها بإنتظام. لذلك، في الأنظمة الديمقراطية، لا يمكن لأي شخص أن يصبح قوياً لدرجة أنه يدمر هذا النظام او يتجاوز عليه. بيد أن فصل السلطات هو العنصر الأساسي الأفضل في أي دولة دستورية. يضمن السيطرة والتوازنات المتبادلة بين الحقوق والواجبات داخل المجتمع، وإدارة التفاعل الإيجابي للدولة ومؤسساتها تحت رقابة أحزاب فاعلة داخل وخارج المنظومة البرلمانية.

في منظومة البلدان الديمقراطية، الأحزاب السياسية لديها مهمة أساسية، تمثيل المصالح السياسية للشعب. لكي يتمكنوا مرشحيها من أداء هذه المهمة، يتمتعون بحقوق والتزامات خاصة.ووفقا لاحكام قانون “الأحزاب”، فإنها تعتبر من الجماعات المجتمعية التي تؤثر بشكل دائم أو لفترة طويلة على صنع القرار السياسي والمشاركة في تمثيل الشعب في مجلس النواب “البرلمان” والاقاليم. وعلى قيد “أداء القسم” وللظروف الفعلية العامة، يجب أن يقدم الطرف “الحزب” تأكيدا كافيا بموجب معايير ذات صلة خاصة بـ “قانون الأحزاب” ـ نطاق ونوع المنظمة “الحزب”، عدد أعضاءها، أماكنها المحددة ومواردها المالية والاهم احترام القانون الاساسي للدولة “الدستور” والالتزام بمبادئه. ألا أن القانون لا تعتبر الجمعيات والمنظمات التي لا تريد المشاركة في الأنشطة السياسية أحزابا.

اذن، بهدف المشاركة في تشكيل الإرادة السياسية للشعب، تتمحور أنشطة الأحزاب عادة حول، تأثيرها على تحريك الرأي العام، تشجيع المواطنين على المشاركة في الحياة السياسية وإشراك القادرين منهم على تحمل المسؤولية العامة في الحكومة “الاتحادية” والحكومات المحلية بالشكل الذي يساعد على تطور العمل السياسي في البرلمان والحكومة. بيد ان مبدأ حرية تأسيس الأحزاب بالإضافة إلى حرية الحزب فيما يتعلق بأهدافه وبرنامجه ونشاط أعضائه في سياق العمل الحزبي ـ لا يمكن تبرير أعمال إجرامية بحرية النشاط. فيما يلزم القانون الأساسي “الدستور”، الحكومة بمعاملة جميع الأطراف على قدم المساواة، وتطبيق مبدأ المساواة في التعامل بين الدولة والاحزاب الفاعلة بحيادية تامة. وهذا يلزم جميع السلطات، بما في ذلك هيئات البث العامة، بمعاملة الأطراف من حيث المبدأ بنفس الطريقة عند تقديم التسهيلات والخدمات الانتخابية. وذلك لضمان المنافسة العادلة بأحدث الأساليب المعروفة باسم “تكافؤ الفرص المتدرج” للحصول على أصوات ودعم المواطنين وفقا لأهمية الحزب ونزاهته.

هناك ما يزيد عن 200 دولة على الأرض اليوم، وكل منها يختلف في طريقة تعيين القواعد وتغييرها، وما إذا كانت هذه القواعد تنطبق على الجميع أو من يقرر ما إذا كان هناك انتهاك ما. كثيرا ما نتحدث في هذا السياق عن أشكال مختلفة من الحكومات. يمكننا أن نفرق بين ثلاثة أشكال مختلفة: حكومة في دولة وراثية “ملكية”، يمارس السلطات الثلاث شخص واحد فقط. حكومة الاستيلاء على السلطة عن طريق الانقلابات أو العنف: يتمتع الشخص الحاكم الوحيد “دكتاتور” أو مجموعة من الأشخاص بسلطة سياسية غير محدودة “غير رصينة”. حكومة في نظام ديمقراطي: تشكل من خلال انتخابات نزيهة ومحاكم مستقلة وفق دستور يتميز بفصل السلطات ويضمن الحقوق الشخصية والسياسية لجميع افراد المجتمع.. بالنهاية، فان مسؤولية التغيير السياسي وإنهاء نظام حكم غير محدود نحو الإصلاح، تقع بالتأكيد في مثال العراق على عاتق النيرين، لا يميز بينهم في ذلك دين او عرق أو جنس.. فكما أن شن الولايات المتحدة عام 2003 الحرب على العراق كان بسبب أكذوبة، فان مجيئها المرتبك زمن الغزو بمجموعة ممن لا يفقهون بالسياسة وإدارة الحكم الى السلطة، اكذوبة كبرى، نتائجها لازالت حاضرة.. خراب وفشل ومجاعة وامراض وإفلاس.!