18 ديسمبر، 2024 5:43 م

فصل السلطات وتقسيمها إلى ثلاثة، صاغه المفكر السياسي الفرنسي، شارل لوي دي سيكوندا، وهذا الفصل للسلطات اعتُبر أحد مبادِئ الديمقراطية، وكان نموذج للحكم الديمقراطى للدول، حيث تمَّ تأسيس أوّل نموذج في فصل السلطات من قبل الرومان القدماء، ودخل حيّز الاستخدام الواسع النطاق في الجزء الأول من الجمهورية الرومانيّة، وفي إطار هذا النموذج، فإن الدولة مقسمة إلى فروع أو سلطات، كلّ سلطة (يُفترض) منفصلة ومستقلة في صلاحياتها عن بعضها، والسلطات الثلاث هي: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، وقد أضيف لهم السلطة الرابعة وهي سلطة الصحافة والإعلام المفترض أنها تراقبهم كما تفعل المعارضة، وفي تقسيم أو توزيع آخر للسلطات خاصة في بلداننا التي ما تزال في مرحلة الحبو الديمقراطي، يرى البعض أنها سبعة أو اكثر: تبدأ برئيس الجمهورية ثم رئيس وزرائه ثم الوزير وبعده المحافظ ثم القائمقام ويليه مدير الناحية، وأخيراً سلطتين في سلطة واحدة تُشكل لنا في مجتمعاتنا أهم وأخطر السلطات رغم أنها تأخذ التسلسل السابع، ألا وهي سلطة شيوخ العشائر والقبائل والممثل المزدوج لهم ولبقية السلطات السابقة وهو المختار!

وفي معظم دول الشرق الأوسط ومن شابهها في العالم منذ تسلط الأنظمة الشمولية، خاصةً تلك الدول التي تمّت صناعتها في أقبية وزارتي الخارجية البريطانية والفرنسية إثر انهيار إمبراطورية بني عثمان، وقيام ممالك ومشيخات وجمهوريات الدول العربية، والجميع يمنح نفسه تفويضاً إلاهياً أو وكالة عامة مطلقة من الشعوب المخدرة بثقافة وسلوكيات القطيع المستكين، تلك الوكالة التي منحت شرعيتها كيانات وهيئات (نفذ ثم ناقش) إما بمجلس قيادة الثورة أو بولاية رجال الدين والطائفة المطلقة، أو بالعادات والتقاليد البالية وأوامر ورغبات شيوخ العشائر والقبائل وملحقاتهم من رجال الدين والمخاتير، فقد تحولت تلك الممارسات الشمولية إلى ثقافة وسلوك عام يمارسه معظم المسؤولين ابتداءًا من رئيس الجمهورية وصولاً إلى السلطة السابعة التي يصفها أحد مخاتير القرى، والذي يصرُّ على أنه هو السلطة السابعة حسب تسلسله الإداري للسلطات التي ذكرناها أعلاه، والتي تنتهي بمختار القرية الذي يؤكد على حقه في التحدث باسم الشعب أي باسم أهل القرية أو الحي الذين عينوه مختاراً، وهي ذات الصلاحية التي يمنحها لنفسه شيخ العشيرة حينما يتحدث ويصرح ويأمر ويُنهي باسم كل أفراد عشيرته نساءً ورجالاً أطفالا وشيوخاً، خاصةً حينما يأمر الناخبين منهم بمنح أصواتهم لمرشحي برلمانات هذه الدول، والغريب الكل يتحدث باسم الشعب ويدعي تمثيله بالمطلق ابتداءًا بمقدمي بعض البرامج الحوارية ومروراً بالنواب وزعماء الأحزاب والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والوزراء، الذين يتكاثرون أكثر من القطط الشباطية، وكل من هبَّ ودبَّ في دول ومجتمعات غالبيتها ما تزال تسأل الهبوط على القمر حلال وإلا حرام!

ويبدو إزاء هذا الحال المُزري في شكل وتكوين مجتمعاتنا وسلوكيات وعادات وتقاليد ونظام التربية المدرسية والاجتماعية في الغالب من الشعب، ومن خلال سطوة الشيوخ والآغوات وملحقاتهم، نحن أحوج ما نكون إلى انتخاب السلطة السابعة منهم أولاً، خاصةً وقد ثبتت جدارتهم في إيصال الكثير إلى مراكز السلطة التشريعية والتنفيذية بالتعاون مع مجاميع من رجال الدين والأعمال، وهم بالتالي يستحقون تعيين بقية السلطات الست الأخرى!!؟
وإزاء ذلك أيضا يتراءى سؤال مقلق وهو: هل كانت هذه الظاهرة من أسباب اندلاع ثورة تموز 1958م التي شوهها العسكر وتم ابتلاعها بعد سنوات قليلة من قبل نفس الطبقة وبمسميات أخرى؟

[email protected]