23 ديسمبر، 2024 7:29 ص

“السلام من خلال القوة “Peace through strength

“السلام من خلال القوة “Peace through strength

جملة استوقفتني اثناء تجوالي في المعرض الجوي في مدينة فورت وورث الأمريكية في السابع والعشرين من الشهر الماضي وهي تعلوا الجدار الخلفي الذي تقف امامه طائرتان هما اف ٢٢ و اف ٣٥ وهما من طائرات الجيل الخامس ( طائرات التخفي ) وقد علمت انها شعاراً لشركة لوكهيد مارتن التي تصنع هاتان الطائرتين بالأضافة الى طائرة اف ١٦ المتعددة الادوار . ادهشني حقاً البراعة في الأختيار الى جملة ذات معنى كبير يشكل فلسفة واستراتيجية جذورها تمتد الىً القرن الاول الميلادي .
اول من اطلق هذه الفلسفة هو الامبراطور الروماني هارديانوس في القرن الأول الميلادي والذي بسط الأمن والسلام على ربوع امبراطوريته الممتده من اوربا الوسطى وحتى بريطانيا ومن جنوب تركيا حتى المغرب العربي على طول ضفاف البحر الابيض المتوسط هذا الامبراطور كان يمتلك شخصية مؤلفة من جملة من المتناقضات التي قد لا تجتمع في شخص واحد الا نادراً فكان قاسياً وطيباً محباً وحاقداً رياضياً وكسولاً مصارعاً يقتل الاسود بيديه وفناناً حساساً شديد الشغف باي جمال وكان عسكرياً بارعاً فكون جيشاً امتاز بالقوة الناتجة عن كثرة التدريب وحداثة الاساليب واتقان فنون الحرب ، حتى اصبحت وحدات جيشه تخرج ضباطاً للأركان لكثرة تأهيلهم وتدريبهم لذلك تميز هذا الجيش بقوته وحسمه للمعارك بالنصر المؤكد ومن هنا كان يقول اذا اردت ان تفرض السلام فيجب ان تكون قوياً وتلك سميت فيما بعد باستراتيجيات الردع والردع المقابل وماهي الا تفسيرات مطورة لتلك الجملة .
تبنت امريكا هذه الفلسفة منذ عهد روزفلت في الحرب العالمية الثانية واعيد احياؤها في عهد الرئيس ريغان حيث كانت رمزاً لحملته الانتخابية التي حقق بها الفوز على كارتر فكانت ( السلام من خلال القوة لنجعل امريكا عظيمة مرة أخرى ) واخر متبني هذه الفلسفة هو الرئيس ترامب حيث اختارها ايضاً رمزاً لحملته الأنتخابية وصمم برنامجه لتحويلها الى حقيقة على الأرض فأطلق ميزانية عملاقة لتطوير وتأهيل القوة العسكرية .
شركة لوكهيد اضافة للجملة جملةً معطوفة اختيرت بذكاء شديد جعلت من العبارة الجديده أفضل أعلان لما تنتجه من طائرات تصب حمم الموت على اعداؤها وتدمر كل ما يقع تحت مسددات اسلحتها الفتاكه . تلك الجملة المعطوفه غيرت من العبارة فاصبحت كما يلي ” السلام خلال القوة ، يعني المزيد من القوة ”
Peace through strength, means lot of strength
وكتبت تلك العبارة على الجدار الخارجي لمصنع الطائرات في مدينة فورت ووث الامريكية .
استراتيجية اوباما في تبني القوة الناعمة وسياسة الأحتواء ادت الى تراجع كبير لامريكا مما اضطره للتحول الى استراتيجية السلام من خلال القوة في السنتين الاخيرتين لولايته الثانية فصرح في اجتماع له مع منظومة الامن القومي الامريكية بتصريحه الغريب حينما سأل عن بطل العالم بالمصارعه وحينما تم اجابته قال هل يجرؤ احداً على التحرش به في الشارع ، بالتأكيد كلا ، لذلك يجب ان نفرض السلام من خلال القوة .
العبارة مكتوبة ايضاً على حاملة الطائرات النووية الأمريكية طراز نيمتز سي في ان ٧٦ رونالد ريغان والعبارة تعد شعاراً للحزب الجمهوري الامريكي .
الصين لا تزال تحقق المزيد من النفوذ عن طريق الاستراتيجية المضادة وهي استراتيجية القوة الناعمه ولكنها ايضاً في طور التحول الى فلسفة السلم خلال القوة بميزانية هائلة للتحديث وتطوير الجيش ، وكذلك تتبناها روسيا بوتين اليوم بالرغم من محدودية قوتها العسكرية .
الكيان الصهيوني ، تركيا ، ايران ، السعودية ، دول الاقليم التي تتبنى هذه الفلسفة وتبني قوة عسكرية فعالة ومؤثرة فهل عراقنا اليوم قادر على تحقيق السلم من خلال القوة في داخل حدوده قبل ان يفرضها خارج الحدود ، الجواب بكل تأكيد كلا ، وقد يكون هناك قوى اخرى ضمن مفهوم الدولة العميقه هي التي ستفرض الارادة من خلال القوة وليس السلم طالما ان حكومتنا اختارت ان تسكن على السطح ولا علم لها بما يجري في الطابق الاول .