في عام ١٩٤٧ اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها المرقم ١٨١/ د.ج والذي أصبح معروفا لدينا بقرار التقسيم ، وقد نص هذا القرار على أن تنشأ في فلسطين ، دولة يهودية ، ودولة عربية ، مع اعتبار القدس كيانا متمييزا يخضع لنظام دولي خاص ، ومن بين الدولتين المقرر فيامهما بموجب هذا القرار لم تظهر إلى الوجود إلا دولة واحدة إلا وهي إسرائيل . وعلى مساحة تبلغ ٥٧،٧ بالمئة من الأراضي العربية ، وتم التغاضي والتعتيم على قيام الدولة الأخرى إلا وهي دولة فلسطين ، وظلت هذه الدولة تكمن في احشاء اسرائيل بين الاعتراف بها تارة وبين التنكر لوجودها تارة أخرى ، غير أن للدولة المنسية شعب له صفات متميزة في المطاولة وحسن التدبير حتى انطلقت ثورته في الاول من يناير عام ١٩٦٥ ، من هنا ظهر المستحيل في سلام دائم تنعم به إسرائيل ،
أن إسرائيل تحاول دائما عزل المواقف السياسية عن التاريخ ، فهي ترى في ثورة الشعب الفلسطيني إرهابا لها وتنسى أنها تاريخيا قامت على أراضيه ، وهجرت ابنائه ، لذا فإن مناحم بيكن كما ينقل الاستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه السلام المستحيل والديمقراطية الغائبة (ص70) أن الرجل في مفاوضات الإسماعيلية عام 1977 ركز في حديثه على نقطة واحدة ، قال فيها إن إسرائيل حاربت دائما حروبا دفاعية ، ويرد الاستاذ هيكل يقول في ذات الصفحة ، كانت كل حروبها حروبا هجومية ، ويستدرك بكن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق أن عددا من أساتذة القانون الدولي –وهذه هي كتاباتهم كما يقول — يجيزون الاستيلاء على الأراضي إذا كان احتلالها نتيجة حرب دفاعية ( المصدر السابق ص71) واليوم تفند إسرائيل بذات الذريعة حربها الهجومية على غزة بذات الأعذار بعد أن ردت حماس على استيلاء المستوطنين على الأراضي الفلسطينية في الضفة والقدس الشرقية ، أو قيام وزير الدفاع الإسرائيلي بالتصريح ببناء المزيد من المستوطنات بعد إجبار أهل الأرض بتركها عنوة ، ومنذ عام 2016 ولغاية اليوم تم توطين أكثر من مليون يهودي في الضفة الغربية . وقد ركزت حركة (غوش امونيم) في مشروعها الاستيطاني على طرق ومسطحات الأراضي الممتدة بين نابلس إلى الخليل عبر القدس . وهكذا ينشأ الصراع ويتجدد بين أصحاب الأرض وبين المستوطن المحتل ، مما يدفع بالشباب الفلسطيني للدفاع عن أرضه ، وقد أضاف اليمين المتطرف الإسرائيلي في ظل حكومة نتنياهو عنصرا جديدا دينيا للصراع يقوم على الاستيلاء التدريجي على المقدسات الإسلامية بحجج تلموذية منها إعادة حائط المبكى . أو التوسع في إقامة الشعائر اليهودية داخل الحرم الابراهيمي .
أن توسع الاستيطان يقابله نمو في حجم الكتلة البشرية للشعب الفلسطيني داخل أحشاء ما أطلق عليه بالدولة اليهودية وفقا للقانون الاخير ، وهذا بدوره صار مكمن الخوف لليمين الإسرائيلي ، وأخذ ينفتح على المعتدلين لتشكيل حكومة طوارئ هدفها تدمير المقاومة من جديد ، والبدء عمليا بمشروع تغيير خارطة الشرق الأوسط ، ومنها التخلص من الكتلة الفلسطينية الكامنة في الجوف الاسرائيلي والعمل بتنفيذ مقترح نقل أهل غزة إلى سيناء بحجة عدم تعرضهم للحرب القادمة مع حماس ،
أن محاولات إسرائيل للحصول على السلام بقوة السلاح والمكر ، (بدعم امريكي غير محدود ) هي محاولات أعادت القضية الفلسطينية من جديد على طاولات المسؤولين في المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بعد أن تم نسيانها منذ فشل مفاوضات أوسلو وتوابعها ، او بسبب غياب الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية ، أو محاولاتها رمي الأثقال على الجيران من خلال الحرب على غزة الحالية عن طريق إعادة ذات السيناريو القديم القائم على التهجير إلى سيناء كما تقترح اليوم وربما إلى الأردن غدا ، وكل هذه المحاولات تصب في سياق التخلص من الكتلة البشرية الفلسطينية الشابة التواقة دوما إلى حمل السلاح حتى ولو غابت حماس أو الجهاد عن الساحة ، وهي تعلم علم اليقين أن السلام بعد كل هذه التجارب مع الفلسطينين والعرب بات مستحيلا إلا بظهور الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية …..