18 ديسمبر، 2024 6:22 م

السفير والنائب والعراق

السفير والنائب والعراق

فيلمان سينمائيان يستحقان فعلا المشاهدة ، لعلاقتهما باحداث العراق .
الاول : فيلم SERGIO ( سيرجيو )الذي أنتجته شركة نتفليكس في نيسان 2020 ، ويتحدث عن مقتل الدبلوماسي البرازيلي المحنّك سيرجيو دي ميللو بتفجير مقر بعثة الأمم المتحدة في بغداد عام 2003، الذي تبناه تنظيم القاعدة في العراق . وهو من افلام السيرة الذاتية ، حيث نتعرف فيه على اليساري السابق دي ميلو الذي تقع معاناة الناس في مقدمة اهتماماته، وتسمو حقوق الإنسان عنده على السياسة، الأمر الذي دفع حياته ثمناً لذلك كما يقول الفيلم وإن بطريقة غير مباشرة .
مفتاح فكرة الفيلم الاساسية – كما يقول الصحفي الاردني طارق الحايك في مقالة نشرها موقع الجزيرة – هو الخلاف حول الوجود الأميركي في العراق، بين المبعوث الأممي الذي أبدى استياءه من مظاهر الاحتلال منذ وصوله إلى بغداد، وبين الإدارة الأميركية التي أزعجها انتقاد الرجل الصريح لسياساتها، ولقاؤه مع المرجع الشيعي علي السيستاني الذي كان يرفض لقاء بريمر بل وحتى الرد على اتصالاته، وهو الخلاف الذي كان حتى تلك اللحظة غير معلن، إلى أن يقرر سيرجيو في المشهد الذي يليه أن يصعّد الموقف حين يسأله أحد الصحفيين حول ما إذا كانت الأمم المتحدة تشكل غطاء للاحتلال الأميركي، ليرد الدبلوماسي الذي يتميز بالهدوء بلهجة عصبية وحادة بأن الأمم المتحدة لم تأتِ لدعم الاحتلال ولن تكون غطاءً لأي أحد أو أداة بيده..
ويخلص الحايك في نهايات مقالته الى القول : الفيلم لفت في المقابل إلى عدم توفر معدات إنقاذ مع المنقذين …ثم يأتي بريمر متمهلاً، “هل هو على قيد الحياة؟” يسأل الضابط الذي أخبره أن سيرجيو لا يزال تحت الأنقاض، هذه الأمور المتباينة، رغم توجيهها المتلقي نحو نقطة معينة، إلا أنها تركت له حرية التفسير …

الثاني : ( Vice ) اي النائب ، والذي تم انتاجه في نهاية عام 2018 ، وتدور احداثه حول سيرة نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني ، وهو واحد من أهم وأقوى الشخصيات السياسية داخل البيت الأبيض أبان فترة حكم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، بل هو أقوى نائب رئيس في التاريخ ، والذي استطاعت سياساته أن تغير وجه العالم .
تسبب الفيلم في انقسام حاد بين النقاد ، حيث وصفه البعض ” بالساخر الذكي ” بينما انتقده آخرون بوصفه ” عرض اخرق للكراهية السياسية ” ، حيث يبدو تشيني وضيعا بصورة كاريكاتيرية ، فلا يهمه شيء سوى السعي وراء السلطة من اجل السلطة نفسها . وهكذا بينما عدته صحيفة الغارديان البريطانية ” ذات التوجهات اليسارية ” افضل فيلم في العام 2018 في نظر بعض الناس ، عده البعض الاخر من اسوأ الافلام . ولكن اداء الممثلين – وخاصة بيل ( ديك تشيني ) وآدمز ( لين تشيني – زوجته ) وكاريل ( دونالد رامسفيلد ) – حاز ثناءً كبيرا .
ويعلق الصحفي أندرو بانكومب على الفيلم قائلا : يبدو أنّ الخطأ الوحيد في فيلم مكاي … هو ببساطة أنّ الشخص الذي يدور حوله الفيلم لم يظهر بما يكفي من الفظاعة.
تَعَقَّبَ الفيلم ديك تشيني من طالب فاشل تم طرده من الجامعة ، الى عامل كهرباء محدود الدخل ، وسكير سجنته الشرطة مرتين ، ثم بتهديد زوجته – التي يحبها من ايام الثانوية – بالافتراق عنه ، وبدعمها – الذي نجد لمساته في جميع ادوار حياته – يستعيد نفسه ويواصل دراسته ، ويصبح مساعدا لدونالد رامسفيلد ، باذلا اقصى جهد لينال رضاه . ثم دارت الايام دورتها وصار رامسفيلد هو مَن يطلب رضاه ، بعد ان اضحى ” ديك تشيني ” يتمتع بصلاحيات مخيفة داخل البيت الابيض كنائب للرئيس ، فيما عد بعضهم الرئيس مجرد واجهة هشة .
النقطة الاهم – في الفيلم – بالنسبة للعراق ، ان فكرة غزوه جاءت اولا من تشيني ، والاخرون جاروه في ذلك وان ابدى بعضهم ملاحظة من هنا او هناك ، حتى ان وزير الخارجية وقتها كولن باول عد فيما بعد خطابه في الامم المتحدة الذي زعم فيه امتلاك العراق اسلحة دمار شامل ،اللحظة الاشد ايلاما في حياته . باختصار انهم جميعا كانوا يعرفون بانهم يكذبون ، ولكنهم سايروا تشيني .
النقطة الاخرى ، ان جميع حلفائهم نصحوهم سرا بعدم غزو العراق ، حتى اسرائيل قالت لهم ان العراق اليوم لا يشكل خطرا !
الفيلم يبدأ بالاشارة التالية : “هذا الفيلم عن قصة حقيقة“ ثم يظهر سطرٌ آخر ”بقدر ما سمح لنا هذا المخابراتي اللعين “تشيني” باستكشاف حياته“.
واليوم يبلغ تشيني الثمانين ، ويعيش بقلب مزروع ، ولا يشعر باي ندم ، انما يدافع باصرار عن سياساته – وهو الجانب الذي سلط الفيلم الضوء عليه في نهاياته .
انه فيلم مهما قيل عن نقاط ضعفه فهو غني باللحظات المثيرة والمواقف الخطيرة ويبدو انه قد تم تدقيق معلوماته جيدا والتأكد من مصادرها، ومن هنا اهميته – وهذا تقييم قد يكون مبالغ به ، لانه مجرد انطباع اولي لغير ذي اختصاص .