19 ديسمبر، 2024 12:59 ص

السفه في تبديد الأوقات أشدُّ من السفه في تبديد الأموال

السفه في تبديد الأوقات أشدُّ من السفه في تبديد الأموال

قال الإمام علي (ع) :(من تساوى يوماه فهو مغبون ، ومن كان أمسه أفضل من يومه فهو ملعون)
المغبون هو من أضاع نعم الله ولم يستفد منها, والغريب ان الفقهاء في رسائلهم العملية وضعوا هذا الاصطاح في المعاملات ( البيع والشراء )واشبعوه بالدراسة والافتراضات المحتملة وكان الاولى بهم ان يتناولوه في حقل العبادات , الم يكن العبد تاجرا ،راس ماله عمره ووقته وفراغُه ؟! فإذا استهلكه فيما لا يرضي الله فهو خاسر ، وأن استثمره بطاعة الله فهو رابح… دعاء ينسب الى النبي الاعظم (صلى) ” لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً ، ولا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قُرباً “, وقال احد الحكماء ” من أمضى يوماً من عمره في غير حقٍّ قضاه ، أو فرض أدَّاه ، أو مجد أثَّله ، أو حمد حصَّله ، أو خير أسَّسه ، أو علم اقتبسه فقد عقَّ يومَه ، وظلم نفسه”لذا  يجب أن نؤمن ونعتقد أنَّ أثمن شيء نملكه هو الوقت الذي يمضي سريعاً ، فمن يقتل الوقت يغفل عن معرفة ربه ، ومنهج ربه ، وذكر ربه ، وأمر ونهي ربه , وإن لم تشغل وقتك بالخير شغلك بالشر ، وإن لم تشغله بخدمة الخلق سوف تشغله بإيذاء الخلق ، وهذا هو الخذلان المبين ، وهذا هو الشقاء الابدي ، فأذا كنت تنعم بصحة طيِّبة ، وكان لديك وقتٌ كاف ،فلماذا لا توظف هذا الوقت في معرفة الله ؟! أنت في الدنيا تعيش عمراً محدوداً ، هو بضعة سنوات ، كلما انقضت سنة ، وكلما انقضى شهرٌ ، وكلما انقضى أسبوع ، وكلما انقضى يوم ، وكلما انقضت ساعة ، وكلما انقضت دقيقة ، وكلما انقضت ثانية انقضى من عمرك ، وقرَّبتك إلى أجلك ، لذلك قال الله تعالى : وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [ سورة البقرة: 148 ] في هذا الوقت كان من الممكن أن تعرف الله ، في هذا الوقت كان من الممكن أن تصل الرحم ، أن ترعى أرملة ، أن ترعى طفلاً ، أن ترعى مسكيناً ، أن تدعوا لمؤمنا , ان تصلي لميتا ، ان تقرا قرانا ، أن تأمر بالمعروف ، وأن تنهى عن المنكر ، وتطعم حيواناً , ان تساعد محتاجا ، هذا كلُّه بإمكانك …

اياك والغفلة ووسوسة الشيطان فإن الإنسان من دون هزة عنيفة سوف يخلد إلى الأرض , ذلك لان الأرض لها جاذبية الاستمرار والاستصحاب وإبقاء ما كان على ما كان , لذلك نجد إن الإنسان لا يحب التغيير والتحول والتطور , فالإنسان العاقل لا يرغب بالبقاء على ما هو عليه , لأنه يعتقد إن رأس ماله الوحيد هو العمر الذي ينقضي, فإذا لم يحصل على فائدة جديدة ومكسب جديد  في كل يوم فهو إلى الخسران , فإذا لم تتقدّم أنت فقد يتقدّم الآخرون، وإذا تقدّم الآخرون وأنت في مكانك فهذا يعني أنّك تتراجع ، فالمؤمن الواعي هو الذي يسعى نحو الكمال والسمو والعلو ويطلب المزيد من الخيرات … قبل الركون الى النوم حاسب نفسك , ماذا أنجزت ؟! كيف مضى هذا اليوم ؟!القصد هو الهمه لفعل الافضل والتحذير ان يكون يومك اشر من امسك فلا تعلم متى يتوفاك الله ؟! فاحرص ان يكون يومك خير مما مضى , قال تعالى : ( وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) فهؤلاء هم الذين يريدون ربح شيء جديد كل يوم ، عبادة جديدة ، صدقة جديدة ، عمل صالح جديد ، ثقافة جديدة ، قال الأمام علي (ع) (ان الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما,ويأخذان منك فخذ منهما) … وقال عليّ (ع) : ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم : يا بن آدم!.. أنا يومٌ جديد ، وأنا عليك شهيدٌ ، فقل فيَّ خيراً واعمل فيّ خيراً ، أشهد لك به يوم القيامة ، فإنّك لن تراني بعده أبداً , وعنه (ع): لا خير في العيش الا لرجلين: رجل يزداد في كل يوم خيرآ. ورجل يتدارك سيئته بالتوبة
,فالسفه كل السفه في تبديد الأوقات لانها لشد سفاهة من تبديد الأموال.