قبل أن يصل الى رئاسة الولايات المتحدة الامريكية برز الرئيس دونالد ترامب بتصريح شهير اعتبر فيه أنت السعودية تمثل بالنسبة للاقتصاد و المصالح الامريكية فى المنطقة العربية بمثابة البقرة الحلوب ، ربما فاجأ هذا التصريح كثيرا من المراقبين و بالذات هؤلاء الذين نصبوا خيامهم و وهبوا فكرهم و وجدانهم لتتحكم فيه الادارة الامريكية و لكن الواقع كان ينطق بأن السعودية لم تكن صديقة لأمريكا يوما و أن المصالح الامريكية هى التى فرضت أو اشاعت وجود هذه الصداقة المفتعلة و الانتهازية ، من المعلوم أن النظام السعودى هو من مول القاعدة و من مول طالبان و من تحالف مع المخابرات الامريكية زمن رئيس هذا الجهاز ادقار هوفر كل ذلك لصد الوجود السوفييتى فى أفغانستان باسم محاربة الشيوعية فى تلك الفترة العصيبة مما يسمى بالحرب الباردة بين القطبين الكبيرين أمريكا و الاتحاد السوفييتى السابق ، هذا التمويل و هذه العلاقة الاثمة بين النظام السعودى كنظام يمثل الاسلام و أمريكا التى تمثل الامبريالية القبيحة فى أسوأ مظاهرها الاستعمارية و التوسعية و هنا نقصد الامبريالية التى فجرت القنبلة النووية فى اليابان و استهدفت ملايين الابرياء و الامبريالية التى مثلت بالشعب الفيتنامى و ارتكبت من المجازر الدموية ما يفوق الوصف ، هذه العلاقة لا يجد المحللون اليها تفسيرا الا بمفهوم التصريح الرئاسى الامريكى المذكور .
فى نظر القيادات الامريكية المتعاقبة السعودية هى البقرة الحلوب التى يجب استنزافها مقابل حماية نظامها من كل رياح التغيير الداخلية و الخارجية و بالذات فى هذه الفترة التى تلت سقوط بعض الانظمة العربية بفعل ما سمى اصطلاحا بثورات الربيع العربى ، عملية الاستنزاف تتم بأشكال مختلفة و بطرق متعددة و هى لا تهم استنزاف الثروات و الاموال السعودية فى حروب اقليمية و نزاعات عبثية شتى فقط و بالتحديد بل يتم استنزاف الرصيد الاخلاقى و القومى و الدينى و السياسى للنظام السعودى فى عيون الشعوب العربية بل من المهم اليوم التأكيد بكون مشاركة النظام السعودى فى المؤامرة على سوريا و العراق و اليمن قد استنفذ كل هذه الارصدة الوجدانية السعودية فى عقول الامة العربية و بات هناك شبه اجماع عربى على أن السعودية و النظام الحالى بالذات قد فقد كثيرا من هذا الرصيد و بات يعانى من تصاعد حالة الكراهية و السخط ولما لا العداوة ، ربما لا نريد استنزاف ذهن المتابع بذكر الارقام المالية الخيالية التى تحملتها الخزانة البترولية السعودية منذ سنة 1980 تاريخ تمويل النظام للجماعات الاصولية المتطرفة التى واجهت القوات السوفيتية فى أفغانستان لكن من المهم الاشارة ان هذا النظام قد بدد من الاموال ما يعجز اللسان عن ذكره و حصره كل ذلك للخدمة أغراض أمريكية خبيثة فى المنطقة العربية يعود نفعها الى الكيان الصهيونى الغاصب دون مقابل .
تؤكد وثائق ويكيليكس الشهيرة و كثيرا من التحقيقات و الدراسات الجادة عبثية السياسة الخارجية السعودية و بالذات فى عهد وزير الخارجية الاسبق الامير الراحل سعود الفيصل ، هذه السياسة الفاشلة هى التى دفعت بالعائلة السعودية الحاكمة الى الانصهار بقوة فى مشاريع الفوضى الخلاقة الامريكية فى المنطقة العربية و لعل السعودية هى من تتحمل الجزء الاكبر فى سقوط الجامعة العربية و نكستها و عدم قدرتها على أداء الدور الحقيقى المطلوب منها بل الدور التى تم انشاءها من أجل خدمته و القيام به و عندما نستحضر اللاءات الثلاثة الشهيرة التى شكلت شعار مرحلة التكوين الاولى لهذه الجامعة و هى لا صلح لا اعتراف لا تصالح مع اسرائيل و نجد أنفسنا فى زمن شعار ” الارض مقابل السلام ” المطروح عبثا من الملك السعودى الراحل عبد الله فى قمة بيروت الشهيرة ندرك بطبيعة الحال مدى ما وصلت اليه السياسة السعودية الفاشلة و مدى ما وصلت اليه الجامعة و مدى ما وصلت اليه التدخلات و الضغوط الامريكية على العرب و على السعودية بالذات ، اليوم لم يعد سرا ان النظام السعودى و بعد صدور قانون ” جاستا” الشهير الذى حمل هذا النظام مسؤولية تعويض الاضرار البشرية و الخسائر الاقتصادية الناتجة عن احداث 11 سبتمبر 2001 و هى تعويضات خيالية تدفعها الخزانة النفطية السعودية من قوت الشعب السعودى و على حساب متطلبات تنميته فى كل المجالات و بعد أن تم التقرير بكون النظام يمارس ارهاب الدولة بما يعنى أنه يتحمل المسؤولية السياسية و القانونية عن كثير من العمليات الارهابية التى تنفذها عناصر سعودية متشددة فى كثير من الاقطار الغربية تجد العائلة السعودية الحاكمة امام خيار وحــيد و هو ربط شبكة علاقات مع اسرائيل باعتبارها الجهة الوحيدة القادرة على دفع الادارة الامريكية لمواصلة حمايتها للعرش السعودى الايل للسقوط و هذا ما يفسر طبعا كل التسريبات و المعلومات حول الزيارات السعودية للكيان .
يصف المحللون السياسة السعودية بالفاشلة و العبثية و يؤكدون أن ” الحرب ” الاعلامية السعودية على حزب الله و ايران هى حرب خاسرة بكل المقاييس ذلك أن الحقائق على الميدان تؤكد أن النظام السعودى قد خسر كثيرا من اوراق اللعبة السياسية المهمة و بات مجرد كومبارس فى المنطقة و مجرد الاشارة الى عدم حضور النظام و دعوته الى حوار الحل السياسى للازمة السورية و اقتصار الدعوات على تركيا و ايران هو اعلان فشل مرعب لكامل هذه السياسة العبثية ، لقد بذلت السعودية كل الجهود المختلفة الممكنة و دفعت كل الاثمان الباهظة و قامت كأداة طيعة فى يد الامريكان بكل الادوار الخفية الخبيثة المطلوبة و الممكنة دون طائل و لعل الانتصار السورى اليوم و بداية الانفراج فى الشام و اندحار المجموعات الارهابية التى مولها النظام بالتعاون مع قطر و الامارات و بعض الشخصيات اللبنانية المعروفة بعلاقتها بالمشاريع الامريكية قد شكل بداية النهاية للدور السعودى فى المنطقة العربية برمتها ، يمكن القول بعيدا عن الولاء و الشعارات الرنانة ان ما تحرزه ايران من تقدم فى كل المجالات رغم ما تعرضت اليه من حصار بسبب موضوع النووى لا يقابل نفس النمو على الجانب السعودى و لذلك نقول أن الانفاق العسكرى المجنون للنظام السعودى لن يؤدى الى تحقيق نتائج سياسية على الاقل بل سيزيد من تعميق الازمة المالية و يستنزف ما تبقى من مخزون البقرة الحلوب و فى النهاية سيستيقظ الجميع فى المملكة على صوت هدير مظاهرات الشعب السعودى .