22 ديسمبر، 2024 7:02 م

منذ الصغر تعلمنا من أرث الأجداد ان نصنع الخوف ولم تكن هذه الصناعة لتكتمل دون إيجاد المخلوق المناسب الذي يرعب السامع، وأن لم يكن له وجود، وأستطاع الإباء الأوائل الابداع في إيجاد اشرس مخلوق عرفته عالم الطفولة…إنها (السعلوة). فليس على الإباء سوى تغذية الطفل بوجود هذا المخلوق المرعب، وعندما تكتمل المرحلة هذه، يصبح مصطلح (اجتك السعلوة) ملجأ الإباء كلما أرادوا السيطرة الطفل، فسماع كلمة السعلوة لن تمهل الطفل ليفكر أو يقرر ما الصواب، بل سيعيش حالة من الهلع والشرود خوفا من أن يظهر هذا المخلوق ويلتهمه، ولن يجد من يحميه منه غير جهة واحدة فقط، الوالدين، المنقذ من هذا الرعب، على الرغم من أنهما هما من صنع هذا المخلوق. وبذلك يصبح مصطلح (اجتك السعلوة) مفتاح رابط مابين الطفل والاباء. ينتهي عمر هذا المفتاح بمجرد ان يدخل الطفل عمر المراهقة ليكتشف عدم وجود مخلوق أسمه (السعلوة). وأنها خدعة ليس الا.
لم يكن العراق عام 2003 الا طفل مولود حديثا لايفهم من حياة الدول شيئا، ولم يكن ما يشغل آباؤه الذي وجدوا انفسهم قد اصبحوا مسؤولين على هذا الطفل على حين غرة، الا الحفاظ على السلطة ومغانمها. ولابد من وسيلة تربط هذه الجماهير بطلاب السلطة الجدد وتجعلهم كالدمى بايدهم، ولم يرهقوا انفسهم كثيرا عندما وجدوا الحل في أرث الأجداد، انها السعلوة. فكان لابد ان يكون لهذه السعلوة من الشراسة ماتجعل هذا الطفل المولود حديثا يصدق بها ومن الرعب ماتستطيع ان تخرق الزمان والمكان ومن القوة ما يقنع الجاهل والمتعلم، وتجعل الجميع يلوذ بهم، لقد وجد “الآباء الجدد” من يحمل هذه المواصفات بأجمعها هي…الطائفية.
لم يكن هذا الطفل يعلم ان اللجوء الى “الاباء” من طلاب السطلة انما يزيد من هذه السعلوة قوة وحياة. لقد تعززت طاقتها في انتخابات 2005 فكان بغض الاخر وكره معتقداته واستفزازه بحجة “الحفاظ على المذهب” اهم اذرع هذه السعلوة، ونجحت في ذلك. ولم تمت في انتخابات 2010 ولكن تقمصت وجها جديدا فارتفعت شعارات (احذروا البعثيين) طمعا لولايات جديدة، وبالفعل نجحت السعلوة مرة أخرى، وفي انتخابات 2014 كان يبدو ان هذه السعلوة أصبحت اقل تأثيرا من ذي قبل، حتى عام 2018 الذي تكاد ان تكون السعلوة قد تلاشت فيه، والسبب ان الطفل بلغ من العمر 15 عاما وبات مميزا، ويستطيع ان يكتشف الكذبة والخديعة.
ادرك طلاب السلطة ان طفلهم بالغ سن المراهقة وان هذا العمر لن تنفع فيه أوهام السعلوة، وان هذا العمر له متطلباته المادية وبحاجة الى المال. انها مرحلة توزيع العرصات و الوظائف والوعود، اما التخويف والسعلوة فقد انتهت مرحلتها. وبانتهائها تحول التحالف الوطني الى أكثر من خمسة قوى وتحالف القوى العراقية الى أكثر من ثلاثة قوائم أما القوى الكرد فهي اكثر القوى السياسية التي فقدت (سعلوتها) ولم تصبح جاذبة لجمهورها. اصبحوا على يقين من موت هذا المخلوق الذي احتضنوه طوال 15 عاما على الرغم من عدم وجوده، لقد أنتهى زمن الترهيب.
وباتت هذه التفرعات الجديدة تجتهد كل منهم على حدا لاكتشاف نقاط ضعف هذا المراهق لعلهم يجدون بديلا عن السعلوة تستقطب لفيف الناس مطيعين، فهو زمن الترغيب وليس افضل من رفع شعارات (الأغلبية السياسية، عابرة للطائفية، عابرة للتوافقية،…)، هي مجرد شعارات يعلم الجمهور أنها لاتتعدى قطعة القماش المكتوب عليها وانها لقلقة لسان لاتبلغ التراقي.
لقد ماتت السعلوة بعد ان اهلكت ماهلكت، كانت مجرد آلة غير مرئية بالعين المجردة، ولم نشعر بوجودها الا عندما رحلت عنا، لنشاهد ماخلفته من الخراب. لم تكن السعلوة الا ضحية من ضحايا هؤلاء الإباء. لقد برحت عنا، أما صناعها فلم يغادروا ولن يغادروا، لانهم يرون انفسهم آباء هذه الامة التي ستضل دونهم كما ضل الله بني إسرائيل. ولن يتوقف هذا الجيل من الإباء من الابتكار والابداع في سبيل إيجاد طرق جذب الجمهور. ولن يكون بمقدور هؤلاء مهما حاولوا غير الاستمرار بصناعة شيء واحد …الموت والخراب، فهذا ماتعلموه وهذا مايجيدوه.