18 ديسمبر، 2024 6:56 م

السجون العراقية : سكن الأبرياء

السجون العراقية : سكن الأبرياء

يقبع في السجون العراقية التي لا ترحم صغيراً ولا توقر كبيراً الآلاف من الأبرياء الذين لم تحصد أيدهم في حياتهم سوى لقمة عيشهم , فيهم الطالب الذي عينه على مستقبله , ويَعُدُ السنين عدّا ولكن هدّه السجنُ هدّا , وفيه العامل الذي يخرج صباحاً بحثاً عن عمل ورزق في أرض السواد , وفيهم الأب الحنون الذي منذُ ذهابه ما زالت تهمس له الشفاه بدعوة في جوف الليل أن يعيده الله إلى أهله وذويه , ومنذ ذهابه ما زالت أسئلة أطفاله حيرى على شفاههم , تتمتم , وتتساءل في كينونة نفسها لماذا اعتقلوا أبي وما الذي جناه ؟؟؟

بالأمس يعلن القضاء العراقي عن إطلاق سراح 7947 من السجناء الأبرياء , الذين قال فيهم قضائنا العزيز ” لم تثبت إدانتهم ” فهل هذا معقول 7 آلاف شخص برئ في السجون العراقية , وما خفي أعظم , واغلبهم قد مضى عليه في السجن ربما سنتين أو ثلاثة كمتوسط حسابي ,

إن إطلاق سراح المعتقلين الأبرياء بقدر ما أفرَحَنَا إلا أنه أحزَنَنا كثيراً , لأنه يدل على الظلم الكبير والحيف الواقع على هؤلاء الأبرياء من قبل القضاة .

وكذلك الأمر متعلق بالسلطة التنفيذية وسياسة الاعتقالات العشوائية التي لطالما دافعت الحكومة عنها في زمن المالكي واليوم في زمن العبادي , وهذه نتيجة تلك الاعتقالات العشوائية , يخرج لنا الآلاف من الأبرياء . فهل من محاسب لمن اعتقلهم ؟ ولمن أتى بهم ؟وهل من محاسبة للمخبر السري الذي ما زال يهلك الحرث والنسل دون رقابة من أحد إلا رقابة الضمير ” وهو مستتر” تحت عباءة الأعطية والهبة التي تقدمها القوات الأمنية لمن يدلي بتقرير عن فلان من الناس .فضلاً عن الروتين القاتل الفاحش في دوائر العراق عموماً ومنها المحكمة الاتحادية , فما زالت المعاملات في شكلها البدائي وربما التعاملات في شبه الجزيرة العربية كانت أفضل .

يقول السيد المالكي في احد لقاءاته المتلفزة خلال فترته المباركة ” إن المعتقل البريء يقضي حوالي ستة أشهر ومعاملته في رواق المحاكم العراقية تنتقل من وزارة إلى أخرى حتى تظهر براءته ” فلنفترض أن الجيش اعتقل شخصاً ما من الشارع لا لسبب أو لسبب الاستفسار والاستفهام , فهو يقول : يقضي ستة أشهر لحين إكمال معاملة براءته .

إن هذا الحدث لا ينبغي أن يمر مروراً عابراً , بل ينبغي أن تكون لنا جميعاً وقفة حقيقة – كل من مكان عمله – وعلى المسئولين ومنظمات المجتمع المدني والإعلاميين أن يكون لهم الدور الفعال في مثل هذه القضايا الحساسة التي تمس حرية الإنسان وكرامته .

فهل هذا هو حق الإنسان , أن يعيش ذليلاً ومهان , يؤخذ من بيته معصوب العينان , ليقبع في منفى داخل بلده تحت سياط السجان .

هل هذا حق الإنسان ؟؟أن يبقى في ذل وهوان ؟ يُؤتى لفقير وضعيف ,ﻻ يملك ثمن لرغيف .كي يلسع بسياط السلطان , تسحقه قدم السجان , يلقى في السجن بلا تهمه, أو تُهَم كيلت كيلاً في الميزان .

قد يقبع في منفاه دهور ..يرقب بارقة اﻻوبات تبرق. فقد تكبد أوجاعاً على وجعه . فعاش كسيرا. يطيع وﻻ يُطاع قليل الحيلة وقصير الباع . له في الفر جوﻻت وما له في الكر جولات .

أنت في العراق .. فلا تتكلم عن حقوق الانسان..