19 ديسمبر، 2024 12:24 ص

الساعة السابعة صباحاً!

الساعة السابعة صباحاً!

كانت السماء صافية على غير عادتها، وهي تعانق بعضاً من الغيوم النقية، والقليل من البرد الخفيف يطرق الأبواب مستأذنا للحضور في حياءٍ لطيف، والشمس الباعثة على البهجة يتسع مداها شيئاً فشيئاً، فكأنها تمنح القلوب الدف، والأرض السعادة، فيقول الجميع بلسان عراقي واحد: مرحباً بهذا الصباح!

ولأول مرة أجد نفسي مستيقظاً وأنا احمل تفاؤلاً غريباً لم أعهده.. فلما خرجت إلى العمل أدركت السبب، فكأني اطالع لوحة رسمها كبار الفنانين امامي، شوارع نظيفة، وسيارات قليلة، وانتظام عجيب في السير، وحركة المرور لا زخم فيها ولا اضطراب، ولا تكاد تسمع صوتاً يخالط صوت العصافير إلا بعض الناس ممن يحادث بعضهم البعض في وئام كبير وأدب جم يعلوه الابتسام!

ولما وصلت مكان عملي بعد وقت وجيز وسرعة فائقة لم أشهدها من قبل، ازداد انشراح نفسي لهذا اليوم الاستثنائي، فالزهور تستقبلك قبل الأشخاص، والبناية المتقنة المتطورة في عمرانها وانظمتها تكاد تحتضنك قائلة: اهلاً بك، والابتسامات تطالعك يمنة ويسرة، ومعاملات المواطنين تنجز في دقائق، ولافتات تحيط بك مفادها: لا للروتين، لا للهدايا، لا للفساد!

فإذا ما طالعت شاشة التلفاز لأشاهد نشرة الأخبار، وجدتها تفيض نعومة، فكلها منجزات ومبشرات، ولا يعكرها إلا خبر مزلزل، عن طالب صغير في الابتدائية خاصم زميله فتكدرت نفوس البقية ورفعوا شعار: لا للخصام!!

ولما عدت بعد انتهاء العمل، كانت نسائم الظهيرة التي تشعرك بأجواء أوربا هي الرفيق، حتى إذا دخلت البيت، طرق الباب، فإذا بعطايا الدولة تأتيك بعد السلام إلى عندك مع الاعتذار للتأخير في الوصول، ثم يكتمل المشهد حين يسألك الموظف بعطف كبير: هل لديكم كبير بالسن؟ فليس من المقبول ان يظل بلا رعاية ولا عناية، وواجبنا ان نحيطكم جميعاً بالاهتمام!

كان ذلك كله في الساعة السابعة صباحاً تماماً.. حين رن المنبه واستيقظت في فزع، فأدركت أن ما جرى كان حلماً جميلاً لم يكتمل، فالغبار ما زال يعلو نفوسنا، والشمس الحزينة قد غادرت أيامنا، والضجيج يحاصرك في كل مكان، ولافتات المبادئ والقيم حطمها المفسدون الذين أحالوا المؤسسات إلى محطة ابتزاز للمال العام، ونشرات الأخبار تفيض ألماً وكآبة، والحال هو الحال، والشعب الصبور ما زال بالانتظار!