18 ديسمبر، 2024 8:17 م

“الساخر العظيم” فضحت تجنيد الـ (سي آي أي) لصحفيين في العراق

“الساخر العظيم” فضحت تجنيد الـ (سي آي أي) لصحفيين في العراق

ربما يعد الناقد الأدبي والروائي المتعمق في طرح رؤاه وأفكاره النقدية حميد الحريزي أكثر من سبر أغوار رواية ” الساخر العظيم ” للروائي والكاتب والإعلامي المبدع الأستاذ أمجد توفيق ، وكشف عن مضامين ما أشارت اليه الرواية في بعض فصولها من تناولها لأحد أساليب المخابرات المركزية الأمريكية الـ (سي آي أي) في تجنيد الصحفيين في العراق ، والعمل على الترويج لمخططاتهم في إستباحة أرض العراق وتمرير ما يرومون تنفيذه في هذا البلد من مؤامرات ودسائيس، خلال فترة احتلالهم لهذا البلد ، وكان بعض الصحفيين من ذوي النفوس الضعيفة ومن متسلقين طارئين على المهنة أحد روادها في هذا المسلسل الخبيث ، الذي يراد أن يتم تكبيل إرادة العراقيين ، عبر صور من تعاون وتجنيد لعملاء وجدوا فيهم طعما مستساغا ينفذ أجندتهم!!

وقد أشار الناقد والاعلامي البارز حميد الحريزي خلال إستعراضه لمضامين وأبعاد رواية الساخر العظيم الى ان ” الصحافة النزيهة والواعية والممثلة بالصحفي الصادق الواعي المخلص لشعبه ولوطنه ، المنحاز لقضية الحب والجمال والعدالة والديمقراطية هو المصباح الوهاج الذي ينير الطريق للجماهير التي تفتش عن الحقيقة وتتلمس طريق الحرية والخلاص من القهر والاستغلال ، لذلك فالصحفي والصحافة لا تغيب عن عيون قوى الظلام والتخلف والقمع والاحتلال والاستغلال مما يجعلها تسلك أساليب الترغيب والترهيب للاستيلاء على عقول الصحفيين وضم المؤسسات الصحفية تحت هيمنتها لتكون وسيلتها في التضليل والتجهيل وتأبيد هيمنتها على ثروات ومقدرات الشعوب “!!

وطرح الناقد رؤيته لكيفية تجنيد الصحفيين وبعض المحسوبين على الثقافة ، لافتا الى ان ” الروائي أمجد توفيق قدم نموذجا لمثل هذا السلوك عبر مؤسسة العميل ((فهد الجاسر)) زير النساء والقابض على مال العمالة وذراع الامريكان وشركائهم في تجنيد صحفيات وصحفي العراق لخدمة اجنداتهم وتنفيذ خططهم في البلاد .. نعم هذا الحيوان المفترس الجاسر على إستقلال بلده وكرامة أبناء وطنه ، وقد وضع الامريكان تحت تصرفه رزم الدولارات ورهط من العاهرات الجميلات كمصيدة لاستدراج وشراء ضمائر اصحاب الاقلام الرصينة والحرة وأصحاب الكفاءات في ادارة المؤسسات الصحفية!!

وهنا يؤكد الناقد على الدور المشبوه لرعاع الصحافة أو من حملوأ إسمها زورا وبهتانا  فيقول : ” هذا  ما أريد له أن يحدث مع ((سيف ابراهيم سلمان الاصيل)).. فبإسم المهنية وتقدير الكفاءات أستدعي ((سيف الاصيل)) لترأس المؤسسة الصحفية والإعلامية الممولة من قبل الامريكان تحت قناع ((فهد الجاسر))، وقد زرعت بالعديد من الجواسيس كلاب الصيد من أمثال ((ناظم )) الذي كان عين ((فهد)) على صحفي المؤسسة ، بالإضافة الى الصحفيات الجميلات موضع تفريغ طاقة ((الحبوب الزرقاء)) لدى ((فهد)) وأسياده مثل ((ديك ستيوارت)) رجل المخابرات الامريكي امثال ((نور)) و ((ندى )) وغيرهن الكثير!!

ويستعرض الناقد الحريزي برؤيته الثاقبة كيف حاول هؤلاء  الطارئين من تخريب القيم  وتحريف المضامين الإيجابية ، من خلال إشارته الى ان “((فهد الجاسر)) وزمرته سعوا الى قتل روح الوفاء والمبدئية وخيانة قيم الصداقة عند بعض الصحفيين أمثال ((علي)) صديق ((سيف)) الذي قدم له افضل الخدمات وانتشله من البطالة والبؤس والفقر ، فيتحول الى كاتب تقارير تسيء الى صديقه علي امل أن يترأس هو المؤسسة … فهذا جزء من تخريب وتجريف القيم لدى المواطن العراقي ومنم المثقف الصحفي والأديب ضمن مخطط واسع ومبرمج ومدروس لتجريف القيم والكونفورميا الاجتماعية الايجابية عند الانسان العراقي لكي تحكم قوى الاحتلال والاستغلال قبضتها على الشعب وسرقة ثرواته وسحق سيادته ، عبر التعهير والتجيير وسحق الذات الحرة المستقلة “!!

وهنا يعود الناقد ليؤكد الدور الكبير الذي لعبه الروائي أمجد توفيق في كشف ألاعيب توجهات المخابرات الامريكية الـ (سي آي أي) واستغفالها للعقول بالقول : لقد ” تمكن الروائي أن يضع أمام القاريء الأساليب القذرة التي إنتهجتها المخابرات الامريكية وذيولها لتسقيط الصحفي الوطني الحر ((سيف)) والذي كان سيفا قاطعا بتر كل مؤامراتهم وخططهم القذرة ، مترفعا على مناصبهم وإغراءاتهم التي عجزت حتى ان تشتري ضمائر العاهرات .. فقد تمكنوا من شراء اجسادهن ولكنهم عجزوا عن شراء ضمائرهن ودفعهن لخيانة اوطانهن فأثرن الهروب بدلا من الأستمرار في مهزلة التعيير والتجيير والزيف المتمثلة بشخصية ((فهد )) ومن على شاكلته” .

وهنا يؤكد الروائي كما يشير الناقد الى” أن الصحفي العراقي والمثقف العراقي الاصيل كما هي كل عائلة الأصيل لا يمكن أن تخضع لقوى الاستغلال والفساد والإفساد .. عائلة إختلط فيها دم المسلم والأيزيدي والمسيحي وحافظت على ((كنز)) ، ليبقى في محفوظا في تراب الوطن وضمن جغرافيته وبين يدي أهله … فهو نموذج مصغر للامة العراقية بكل مكوناتها تمثثل فيها الشجاعة والوفاء والأصالة وحب الانسان والوطن وعدم الرضوخ لأرادة المستعمر والمستبد رغم كل الظروف . فكان لقب الأصيل استحقاقا وطنيا وأنسانيا لهذا النموذج الحقيقي للأمة العراقية” .

وعن ثبات أصالة العراقي رغم قوى الترهيب والترغيب والتجهيل والتضليل يقول الناقد الحريزي إن ” أصالة المواطن العراقي وانهزام ألأرهاب :- كما اوضحنا سابقا ما تعرض له الصحفي والمثقف العراقي ، مورست أساليب أقذر وأحقر منها ضد المواطن العراقي ولعشرات من السنين من قبل المحتل الخارجي والمحتل ((الوطني)) المدعوم خارجيا ، من تجويع وترهيب وتضليل وتجهيل مبرمج ومخطط له من قبل مؤسسات كبرى عالمية ومحلية متخادمة مع قوى الاحتلال والاستغلال على الاقل منذ الاحتلال العثماني التركي لقرون من الزمان ، والاحتلال الانكليزي ، ومن ثم الحكم الملكي التابع للمستعمر وشركات ألبترول ومن ثم خنق حلم الرابع عشر من تموز بالتعاون بين الرجعية المحلية والمخابرات الامريكية وقد استمر نزيف الدم العراقي في العهود اللاحقة وأخرها زمن الديكتاتور المنهار وحكم ((الدم قراطية )) الحالية” !!

وبرغم حجم المؤامرة الأمريكية التي إستهدفت شراء ذمم البعض من ساسة ومن هم محسوبون على الصحافة ، إلا ان كل منصف يمكن أن يقول إن ما تعرض له المواطن العراقي من القهر والتجويع والترويع لم يتعرض له أي شعب آخر ، لا من حيث الزمن ولا من حيث الأساليب ، رغم ذلك لم تتمكن هذه الماكينة العملاقة القاهرة ان تستأصل قيم الحب والتضامن والتكافل والوحدة بين أفراد الشعب العراقي بمختلف قومياته وأديانه وطوائفه وحتى طبقاته في وقت الشدة “!!

ولفت الناقد الحريزي الى أهمية ما إستخدمه الروائي أمجد توفيق من أسلوب متقن للسخرية ضد ما أسماه بـ ” تابوات السياسة والدين والجنس والمكانة الاجتماعية والصفة الوظيفية او الحزبية ، أو اية صفات يتصور اصحابها انها تمنحهم حصانة ما) ص266.

والسخرية هنا كما يوضحها الحريزي ” هي إمكانية تسفيه ومقاومة إنسانية لحالة أو سلوك أو ظروف قاهرة يصعب عليه مقاومتها او ردها ، هي سلاح فعال للنيل من الفاعل ومقاومة ذكية فطنة من قبل المفعول به ، تتخذ مختلف الطرق والوسائل والأساليب تعتمد على ثقافة وتجربة وحنكة الساخر ، غالبا ما تتسم بالتلقائية والعفوية ومظاهر السذاجة كسلاح للتهرب من العقوبة وتجنب الاذى ، وتتغلف بغلاف الحكمة والدهاء والتورية في وقت وظرف لا يمكن الساخر من الرد المباشر الصريح وعدم توفر مستلزمات المقاومة وردة الفعل الجادة الواضحة المباشرة ، هذا الاسلوب هو أكثر الاساليب الذي يخافه ويتحاشاه الفاعل مما يجعله يحسب الف حساب للساخر … هكذا مثلا كان ((البهلول)) في التراث العربي الاسلامي وغيره الكثير في مختلف الازمان والعصور”!!

أما من هو الساخر العظيم ، يقول الحريزي ، فهو ((الزمن )) هذا التيار الجارف الزاحف والمراقب الذي لا يمل والشاهد الذي لا يغفل عن تسجيل كل واردة وشاردة في حياة البشر ، خصوصا وهو مالك الحق الكامل ليسخر مما يرى ويشاهد من أفعال البشر ووثوقيتهم في اللاتغيير” ، مذكرا بقول الروائي:  ” من حق الساخر العظيم أن يواصل سخريته وهو يرى ويسمع المحاولات الخائبة لحصر الحياة في تعريف ، من حقه أن يستلقي على قفاه من الضحك، وهو يشاهد أن ثمة من يحمل دلوا ، يتصور انه قادر على سجن ماء نهر)) ص613.

وصدق الناقد الحريزي حين أشار الى “إن الصحافة النزيهة والواعية والممثلة بالصحفي الصادق الواعي المخلص لشعبه ولوطنه ، المنحاز لقضية الحب والجمال والعدالة والديمقراطية هو المصباح الوهاج الذي ينير الطريق للجماهير التي تفتش عن الحقيقة وتتلمس طريق الحرية والخلاص من القهر والاستغلال ، لذلك فالصحفي والصحافة لا تغيب عن عيون قوى الظلام والتخلف والقمع والاحتلال والاستغلال مما يجعلها تسلك اساليب الترغيب والترهيب للاستيلاء على عقول الصحفيين وضم المؤسسات الصحفية تحت هيمنتها لتكون وسيلتها في التضليل والتجهيل وتأبيد هيمنتها على ثروات ومقدرات الشعوب

ورواية ” الساخر العظيم” تبقى كذلك ، الأولى عراقيا التي كشفت وفضحت أساليب إحتلال وتحرير مدينة الموصل العزيزة من داعش ، وما كان عليه الناس قبل واثناء الأسر الداعشي للموصل وما بعده …ورغم ضخامة وكبر حجم الرواية ، كما يقول الناقد ، إلا أن الروائي أمجد توفيق ، تمكن من شد القاريء الى أحداثها دون ملل حتى النهاية ، دون أن تفلت منه خيوط السرد او يتيه في كثرة الاحداث والأماكن والشخصيات ، كانت العبارة رشيقة والكلمة معبرة بشكل جيد عن مضمونها ، والصورة مبتهجة بخطوطها وملامحها وألوانها ، فـ ((امجد توفيق)) بحسب شهادة الناقد ، وقد شاركه كثيرون هذه الرؤية ، روائي يملك تجربة كبيرة في مجال السرد الروائي والقصصي ، وله العديد من المجاميع القصصية والروايات المميزة “.

أمنياتنا للروائي للمبدع أمجد توفيق بمزيد من العطاء الإبداعي ، وهو يحظى بكل تلك الأهمية ، من أجل إعلاء شأن الرواية العراقية، وهو الذي سبر أغوارها واصدر العديد منها .. كانت آخرها ” ينال” .. وتحية للناقد المنصف حميد الحريزي في تأشيره لأهم جانب في الرواية ، وهي فضحها لأساليب المخابرات الأمريكية في تجنيد من هم محسبون على مهنة الصحافة ، ليكون البعض منهم ، منفذا لأجندتهم ، في إستباحة أرض وسيادة العراق، وبرغم أن العراق تخلص من بعض تبعات هذا الاحتلال، إلا انه سيبقى يئن من ويلات وتبعات ومصائب هذا الإحتلال وعملائه من ساسة وصحفيين ومرتزقة وساقطات ، ويبقى ينزف دما ويعاني مما إرتكبه هؤلاء من جرائم بحق الشعب العراقي، تبقى آثارها التدميرية تمتد لسنوات طوال!!