23 ديسمبر، 2024 5:49 م

الزيارة الأولى لبغداد.. تحرير أم أحتلال؟

الزيارة الأولى لبغداد.. تحرير أم أحتلال؟

بعد عشر سنوات من الغياب، الترحال، اليأس، المنفى والانتظار، لم يخطر ببالي أن أزور بغداد بعد أن تركتها ورائي لولا “السقوط”. لئلا تضيع الذكريات وتتبخر من الذاكرة؟ ها أنا ادون زيارتي الاولى لبغداد.

ربيع أمستردام 2003
الاربعاء التاسع من نيسان.. توتر يزداد كل يوم، وقد دخلت الحرب يومها العشرين، لا شئ يهمني سوى مصائب البلاد، انهكتني مشاهدة التلفاز.. في منزلي كنتُ أستلقي على الاريكة، أتابع حشرة صغيرة جدا تمشي على سقف الصالة. فجأة انتبهت إلى ما يحدث.. على الشاشة.. عراقيون يتجمهرون في ساحة الفردوس محاولين إسقاط التمثال الضخم للدكتاتور……
 قفزت من مكاني، تسمرتُ أمام التلفاز. تركت الحشرة بحريتها وأنا اتابع سقوط صدام، مشاعر شتى توالت علي وأنا اشاهد انهيار تمثال الرئيس، العنيد، الصلب، الصعب يسقط بهدوء. أحسستً كأن رائحة عفنة تنبعث من التثمال وهو يسقط وسط بغداد…

اقتربتُ من النافذة اطلقتُ صرخة مدوية تردد صداها في الشارع كأنها بركان انفجر في وجه الشمس. يا للهول تمثال كبيريذوب ببطء كجبل من ثلج أمام الملأ، صار مشهداً سينمائيا بامتياز، رقص، اطلاقات نارية أفزعت الطيور في أعشاشها، بالونات، زغاريد طارت إلى السماء..

الهاتف يرن.. اصدقاء كثيرون في منافيهم يريدون ان يتقاسموا آثار الزلزال الذي ضرب مشاعرنا فجأة.. لنحتفل معا قال أحدنا للآخر…

جمعتنا فرحة أن نرى العراقيين وهم يسقطون تمثال الدكتاتور.. بعد اسابيع من السجالات المليئة بالانفعال… بين مؤيد للغزو ومعارض..  أختلط الفرح بالحزن غزو أم تحرير؟ سؤال صعب لا أحد يجد الجواب!..

نفدت سجائرنا، لا أحد يجرؤ أن يترك التلفزيون، نراقب ما يحدث هناك، أمسك صديقي الشاعر هاتفه بيد وفي الأخرى كأساً من البيرة.. وبدأ يتصل بالاصدقاء الموزعين على حافات العالم: “لقد سقط الدكتاتور.. “اطلق ضحكة عالية، واردفها بنكته حول صدام.
مرة أخرى يرن الهاتف.. صديقنا الكركوكي الذي يسكن قريباً من منزلي.. يدعونا لنكمل الاحتفال معه: “دعنا نرقص بأسم الحرية”
شاركتنا صديقتنا الهولندية وهي تتمايل من الفرح والخمرة. قالت:” أنكسرت بغداد إلى نصفين، كأنها لوحة تشكيلية تعود لعصور قديمة، انكسرت وتداخلت معالمها، انكسار اللوحة ليس من السهل اصلاحه، هل ماتت بغداد ام انها سوف تجدد نفسها”؟ قلتُ لها “بغداد ربما تنكسر لكنها لم تمت”.
رقصنا معاً.. الدبكة والهيوة والجوبي.. ونحن نحلم بالعودة أو الزيارة. قال صديقنا الكردي: الفرحة ستكتمل غداً.. حين تتحرر كركوك!