منصب رئيس الجمهورية في العراق مابعد عام 2003 تشريفي وبروتوكولي ومحدود الصلاحيات وقد تم تخصيصه للمكون الكردي حسب المحاصصة الطائفية البغيضة التي دمرّت البلاد والعباد, ولقد تعود العراقيون طوال السنوات الماضية على أن يروا رئيسهم ينعم بالامتيازات الخيالية التي ترهق موازنة البلد ويحميه فوجان من العسكر المدجج بالسلاح وهو في قصره العاجي المحّصن على نهر دجلة ويستقبل بعض الشخصيات والرؤساء ويحضر بعض الاجتماعات المهمة مع الرئاسات الثلاثة أو مع رؤوساء الكتل ويشجب هنا ويندد هناك ويحتفل في هذه المناسبة أو تلك, ولم ينتظروا منه دوراً أكثر من ذلك, ولكن ما أن تسلم الدكتور برهم صالح منصب الرئيس حتى أثبت بأن الشخص يستطيع بقوة شخصيته أن يكسر كل القواعد والأعراف ويعطي للمنصب أكثر مامرسوم له, فالحق يقال بأن صالح بكاريزمته الفريدة وشخصيته القوية وشعبيته ومقبوليته لدى جميع فئات المجتمع العراقي تمكن من أول يوم أن يعمل بنشاط وحيوية في كل الاتجاهات ولم يرضخ للحدود الموضوعة لمنصبه البروتوكولي فبدأ برحلات مكوكية سريعة ومكثفة الى بلدان مختلفة منها الأردن والكويت والسعودية وايران وتركيا وفرنسا والامارات وايطاليا.
لمناقشة هذه الزيارات يجب أن نحدد بواقعية وانصاف ايجابياتها وسلبياتها, فالزيارات كانت نتائجها جيدة ومثمرة في تعزيز علاقات العراق مع جيرانه والدول الاقليمية والعالمية حيث كانت تحمل رسائل محبة وانفتاح على الجميع للتعاون المثمر والجاد لتحقيق المصالح المشتركة في جميع المجالات وخاصة السياسية والاقتصادية والأمنية ولكسب ثقة هذه الدول وتذليل كل الاشكالات التي حدثت في السابق, وكذلك تم خلال هذه الزيارات مناقشة ملفات حيوية عديدة تهم أمن العراق السياسي والاقتصادي والأمني , وحاول الرئيس صالح أن يقدم دعمه الكامل من خلال هذه الزيارات الى حكومة السيد عادل عبد المهدي حيث بدأت ملامح التعاون والتفاهم بين الرجلين من أول يوم في تقلدهم مناصبهم السيادية في البلد, وهذا شيء يدعو للارتياح لأن التفاهم بينهم يصب في مصلحة البلد واستقراره السياسي, لذا فباعتقادي المتواضع بأن زيارات الدكتور برهم صالح الخارجية على الرغم من عدم امتلاكه الصلاحيات في اتخاذ القرارات الحاسمة وتوقيع الاتفاقيات المصيرية لكنها كانت مهمة ومفيدة للعراق وبالأمكان استغلالها بشكل جيد من السيد رئيس مجلس الوزراء من خلال تعاونهما لتطبيق نتائجها على أرض الواقع وفقاً لصلاحياته الدستورية مع العلم أن جميع زيارات رئيس الجمهورية كانت بالتنسيق والاتفاق مع السيد عادل عبد المهدي وحسب ما تم التصريح به من قبل الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية.
أما السلبيات في هذه الزيارات فهي التكلفة المالية الكبيرة لها وخاصة أن الرئيس برهم صالح كان يصطحب معه في كل رحلة وفداً كبيراً من الوزراء والمستشارين والمرافقين وهذا ما انتقده الكثير من المراقبين والمتابعين للشأن العراقي, حيث ان تكلفة هذه الوفود الضخمة قد كلفت موازنة الدولة مبالغ باهضة في ظل وضع اقتصادي متردي ومشاكل كبيرة واضحة للعيان, وكان الأولى بالدكتور برهم صالح وهو الرجل البسيط الذي عاش فترة طويلة في اوروبا واطلع على تصرفات رؤوساء وحكام هذه الدول وطريقتهم في ضغط النفقات والابتعاد عن البهرجة والفخامة بأن يفكر بهذا الأمر جيداً ويحسب حساباته الدقيقة, وكان بإمكانه أن يذهب برفقة وفد بسيط من أشخاص معدودين ويحقق نفس الأهداف التي رسمها لزياراته, وأنا على يقين بأنه كان قادر بشخصيته القوية وثقافته العالية وباسلوبه الرائع أن يحقق هذه الأهداف ويجنب نفسه الانتقادات الكثيرة التي وجهت له من جهات عديدة عن ضخامة الوفود التي اصطحبها معه وعن المبالغ الخيالية التي أرهقت موازنة البلد, علاوة على أنها كانت ستكون أجمل وأرقى وتخطف الأضواء ببساطتها ونتائجها الكبيرة.