18 ديسمبر، 2024 11:59 ص

الزميلة ‘هتلر’

الزميلة ‘هتلر’

ما نسمعه اليوم في العديد من الأوساط الأسرية، التي أصبح فيها العنف الجسدي والنفسي من تحصيل الحاصل، ويمارس بين الأزواج وعلى الأبناء وبين الأشقاء، ليس سوى مبررات واهية تشفع لها بعض المقولات المتوارثة.

يستطيع الأطباء علاج الكدمات والجروح والكسور لدى أغلب ضحايا العنف الأسري، وتمر الأيام ويتماثلون للشفاء، وينسون الآلام التي صاحبت إصاباتهم الجسدية، لكن للأسف يعجز الأطباء عن علاج جراح أخرى غائرة تظل تنزف في الداخل، ولا يتماثل أصحابها للشفاء، وهي جراح المشاعر، التي تبقى ملازمة للقلب وللعقل، ولا يمكن أن تتلاشى أو يطرأ عليها أي تغيير عبر الزمن.

وفي مواقف الحياة الأسرية المتعددة، ليس بمقدورنا دائما أن نجعل جميع الأمور تسير على ما يرام ووفق ما نحب ونشتهي، ونخضع كل فرد داخل الأسرة إلى مبادئ عامة أو قوانين صارمة، تجعله يصيب دائما ولا يخطئ، فنحن بشر، والبشر خطاؤون بطبعهم، ومن الصعب أيضا أن يتحلوا بمزاج رائق طوال الوقت.

ولكن الأهم من هذا كله كيفية التعامل مع الأخطاء ومع جميع المواقف الصعبة التي تعترضنا في الحياة، بطريقة لا تخلف ضحية تعاني من جرح نفسي مزمن ليس من السهل علاجه، أو تزعزع شعورا بالحب والثقة من الصعب إعادة ترميمه.

وما نسمعه اليوم في العديد من الأوساط الأسرية، التي أصبح فيها العنف الجسدي والنفسي من تحصيل الحاصل، ويمارس بين الأزواج وعلى الأبناء وبين الأشقاء، ليس سوى مبررات واهية تشفع لها بعض المقولات المتوارثة.

ويكون التفسير الجاهز والمقدّم دائما من الكثيرين، هو أن البشر قادرون على نسيان ما يتعرضون له في حياتهم من إهانات ومواقف صعبة وكل ما يصاحب ذلك من شعور بالحزن والألم، إلا أن الأمر لسوء الحظ، لا يبدو بهذه البساطة، فلكل كلمة أثر، ولكل نظرة معنى، ولكل زلة لسان تأثير سيكولوجيي ومعنوي.

ولأن التفاصيل والقصص تتعدد في هذا الشأن، سأكتفي بذكر مثال بسيط عن إحدى الزميلات التي لطالما تباهت أمام الجميع بتحكمها في زوجها وبإحكام قبضتها عليه، فكان كلما كلمها في الهاتف، تصب عليه جام غضبها وتكيل له الإهانات والشتائم، ولا تتورع عن نعته بأبشع النعوت، فنتعجب لأمرها ولطلاقة لسانها التي لا تحتمل، ونتساءل في السر والعلن عن المغزى من أسلوبها المشين في تعاملها مع زوجها.

وكم كان يرهقنا سلوكها المرضي العدواني المتكرر، فنحاول جاهدين إفهامها أن الزواج ليس عقد ملكية يبيح لها فعل ما تشاء مع شريك حياتها، لعلها تعيد النظر في أسلوبها الذي قد يحمل في طياته أسوأ السيناريوهات لعلاقتها الزوجية، ولابنها الذي سينشأ داخل أسرة شديدة الصراع، وسيكون على الأرجح عرضة للمعاناة النفسية.

وكنا أحيانا نتعمد تشبيهها بـ”هتلر” في محاولة لتحسيسها بالجبروت والقمع والمغالاة التي تمارسها، ولكنها كانت دائما تغتاظ من ذلك، وتقول إنه لا وجه شبه بينها وبين الفوهرر النازي الذي دمر البشرية، لأنها على حد تعبيرها لم تلحق الأذى بأحد أو تقتل أحدا، ونسيت إهانتها لزوجها وكلماتها الجارحة، التي يمكن أن تحطم معنوياته ونفسيته، ولا ينفع معها أي جبر ضرر.

ويبدو أسلوب زميلتنا في التعاطي مع زوجها أقرب إلى أسلوب هتلر في الحرب النفسية التي أنشأ لها وزارة خاصة بالدعاية والإرشاد، من أجل النيل من معنويات العدو وتثبيط همته، وإن كان دافع زميلتنا مختلفا عن طموحات هتلر العنصرية، إلا أن التأثير العكسي لتعاملها مع زوجها الذي يغصّ بالإهانات المعلنة والمبطنة له نتائج مشابهة لنتائج طموحات الدكتاتور إلى حد ما، فقد تسببت في جرح مشاعر أقرب الناس إليها وتحطيم معنوياته.

قد يبدو العنف النفسي أمرا تافها ومن الصعب إثباته أو تقييم مدى ضرره على ضحاياه، وخاصة بالنسبة إلى أولئك الذين لم يعيشوه، لكن معظم علماء النفس يؤكدون أنه الأسوأ عل الإطلاق في التفاعلات المباشرة بين الأزواج، ولكن أيضا في تأثيره السلبي على صحتهم، ونتيجة لبعض الكلمات الجارحة التي يتفوه بها البعض في لحظات الغضب، تتراكم التوترات وتكبر الأحقاد، وتكون العواقب أحيانا كارثية.

نقلا عن العرب