23 ديسمبر، 2024 7:59 ص

الجالس على كرسي السلطة يصاب بفقدان الإحساس بالزمن لسرعة جريان الأحداث وتدفقها العارم من حوله , مما يفقده القدرة على إعمال العقل وتنوير الإدراك , لأنه سيكون مرهونا بالتواصل الإنعكاسي الآني مع التحديات المطروحة , خصوصا عندما يجهل آليات ومهارات إتخاذ القرار المشبع بالدراية والمعرفة , والخاضع لبحوث ودراسات وتقديرات وتقيمات وتوصيفات خبراء ومجربين.
وهذا الإضطراب السلوكي تعرفه القوى الطامعة بأي بلد أو مجتمع , ولكي تقضي عليه وتمتلكه تؤهل الذين لديهم القابلية للإصابة بهذا الإضطراب السلوكي الوخيم , فتنفخهم وتحولهم إلى بالونات وتوهم الذين من حولهم بأنهم يعرفون , وعلى الجميع الخضوع لمشيئتهم وإرادتهم وعدم مساءلة سعيهم وقراراتهم , وبذلك تضمن الذي تريد , لأنه سيكون متحفزا لقرارات إنعكاسية ذات تداعيات غير مدروسة , ومساهمة في تحقيق أهداف الطامعين في المجتمع وثرواته.
وقد عانت مجتمعاتنا من هذا النوع من القادة الذين يؤمنون بأنفسهم فقط ولا يصدقون غير تصوراتهم , وأي رأي غير رأيهم يُعد عدوانا عليهم , ويتسبب بوصف صاحبه بالمعارض أو المعادي لنهجهم الوطني العظيم.
والمشكلة التي يواجهها هؤلاء أنهم يمضون في حكمهم كالمنومين أو المغفلين , وعندما يصحون أو يستيقظون , يلفون كل تميمة لا تنفع.
وقد عشنا أياما أحرقوها بسذاجتهم وإندفاعيتهم الهوجاء وتطلعاتهم وأوهامهم السوداء , فطوحتهم الأحوال وأزرت بهم وأفقدتهم الرشد وحسن المآل , فكان مصيرهم أبعد في خيالهم من المحال.
والذين لا يفهمون في طبائع الحكم ولا يسترشدون ويتنورون ويعتبرون بالغابرين من أمثالهم , ولا يعرفون شيئا عن الكرسي وما فيه من الخداعات والإغواءات والأضاليل , فأنهم سيكونون من أسهل فرائسه وأهون أدواته التي يتحقق الإستثمار فيها إلى حين.
والمجتمعات السعيدة هي التي تحظى بالعارفين بالكراسي والواعين بالحكم ووسائله ومستلزماته , وما يتطلبه من الذي يدير أي مؤسسة أو بلاد , لأنهم سيبخسون الكرسي ويقيمون وزنا للإنجاز الذي يشدهم للناس ويزيدهم قربا من قلوبهم ونفوسهم , فتورق فيهم إرادة المحبة والفضيلة الكفيلة بمداواة الجراح.
أما المجتمعات التعيسة فهي التي تبتلى بنزقة الكراسي وحاشياتهم المارقين الذين يتأسدون ويفسدون , ويطلقون العنان لشراهة نفوسهم السيئة المعبأة بالكراهية والبغضاء والمقت الشديد لما ينفع الناس , لأنهم يريدون كل شيئ.
وعليه فأن المجتمعات الناجحة تضع ضوابط واضحة للكراسي وترغمها على التفاعل الدستوري والقانوني , وبإحكام وروية وحلم وتأني , ووفقا لآليات مجربة وذات نتائج محكومة ومنضبظة , ولا تسمح بأي حال من الأحوال أن تكون اليد العليا للكرسي دون تحقيق التوافق التقديري مع أكثر من إرادة جماعية ذات سلطات متنوعة.
فهل أدركنا وباء الكرسي الوخيم؟!!
وهل من وقاية وتعافي من طاعون الكراسي الأليم؟!!