“هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا”
نقابة الاطباء والتفسير الانشتايني للقرآن الكريم
ورد في الآية (76) من سورة (الإنسان) قوله تعالى: “هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا”.
إستفهام تقريري رفيق مُنَبِّهٌ للقلبِ، يوقظه إلى حقيقةِ عدمه قبل أن يكون، ومن الذي أوجده وجعله شيئا مذكورا بعد أن لم يكن، وجاء على صيغة الاستفهام تشويقا للسامع لينتظر الخطاب الذي يلحقه، فيقول الله تعالى: “هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا”.
وكلمة “الإنسان” في الآية تعم كل إنسان، بما فيها نحن معشر الأطباء، الذي قمصنا الله نقابة، حائرون الآن في خلع تشكيلتها الإدارية، لتنصيب من يتعطفون بالمسارات الهوجاء نحو التامل.
إذ البشرُ.. في نظر الرب، من خلال قرآنه الحكيم.. كلهم مخلوقون.. حادثون، وُجدوا بعد أن كانوا في العدم، ولم يكونوا شيئا يذكر، كقوله سبحانه وتعالى، في شأن النبي زكريا.. عليه السلام: “قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا” مريم.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي.. رحمه الله: “ذكر الله في هذه الآية الكريمة أول حالة الإنسان، ومبتدأها، ومتوسطها، ومنتهاه، بأنه مر عليه دهر طويل.. قبل وجوده.. وهو معدوم، بل ليس مذكورا”.
ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور.. رحمه الله: “المعنى: “هل يقر كل إنسان موجود أنه كان معدوما زمانا طويلا، فلم يكن شيئا يذكر، أي: لم يكن يُسمَّى ولا يُتحدَّث عنه بذاته، وتعريف: (الإنسان) للاستغراق، مثل قوله: “إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا” سورة (العصر) الآيتان 2و3 أي: هل أتى على كل إنسان حين كان فيه معدوما، والدهر: الزمان الطويل.
وهذا النفي لوجود الإنسان إنما هو بالنسبة للخلق والواقع، يشمل جميع الخلق، حتى الرسل والأنبياء ، فكلهم كانوا في العدم ثم خلقهم الله تعالى.
أما بالنسبة لذكر الله تعالى وعلمه ، فالبشر كلهم مذكورون في العلم الأزلي، مكتوبون في اللوح المحفوظ، وللرسل والأنبياء جميعا ذكر خاص في المرتبة العليا، فهم أفضل البشر، وذكرهم في علم الله تعالى يناسب رفيع مقام النبوة والرسالة التي وهبهم الله إياها.
وعطفا للفقه القرآني أعلاه، على حديث الرسول محمد.. صلى الله عليه وآله وصحبه: “علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل”.
ونحن كعلماء طب، ضمن الحاضنة الإيمانية، في العراق، الذي ينص دستوره على أن الدين الرسمي فيه هو الإسلام، يجعل حتى غير المسلم، يسير مع الجمع وخطوته وحده.. أي أن المسيحي يتحدث على أنه في مجتمع إسلامي، وكذلك الصابئي والايزيدي واليهودي، محتفظا بكامل الإحترام والقدسية لإنتمائه الفئوي، كأولوية ثانية، بعد الإنتماء الوطني.. أولوية أولى، بل يحق شرعا ووظيفيا، لطبيب مسيحي او صابئي، إجراء عملية ختان لطفل مسلم او يهودي.
ولأن القران.. كلام الله العظيم، حمال أوجه؛ فإن تطبيقاته النقابية، تشكل حوارا مفتوحا، ربما مرجعنا فيه نسبية أنشتاين.
هل خلق الرب عباده من عدم؟ فتحولوا بقدرته الى وجود؟ سؤال كوني مطلق لا إجابة عليه، إلا في الفرضيات الكونية.. الانشتاينية غير المبرهنة فيزيائيا، لكن العقل يتوسع مع إمتداداته؛ مدركا البعد القصي لتطبيقات أعراض لا يبلغ جوهرها.. يرى نتائج ولا يستطيع بلوغ أسبابها، لكنها نتائج مكتفية بنفسها، في إثبات الوجود.
وبإعتبار الإنسان خلاصة الكون، يحمل عناصره كافة، حتى غير المكتشفة، والتي يتوقع إيجادها على كواكب أخرى، فتنهي إسطورة رعب السرطان وسواه من الامراض المستعصية، بل ربما تعيد تسوية الإجزاء المبتورة كما كانت.. ناميةً من جديد.
هل أحلم!؟
إذن فلأعد الى الى الواقع، متحدثا بلغتين.. طبية وإدارية في الطب، إستنادا الى الآية الكريمة “هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا”.
فما دام الانسان مرتبط بقوة إيجاده من منطقة الفراغ الكوني، التي لا يعلمها إلا الله، إذن شأنه مرتبط بمكونه من العدم، الذي جاء من اللاأثير، وإنزلق الى الارض من ظهر أبيه ورحم أمه.
أما في إداريات الطب، فنحن أمام منظومة عمل تشتغل مثل ماكنة مهولة، وسعها الارض والفضاء.. مستشفيات ومختبرات وتجارب ومعامل وتقنيات وعقول وإجراءات، كلها لو دغمت في بعضها لأوجد الرب من خلال “السيال العام – الهيولى – حاملة النقائض التي تبعث الروح في الموجودات، وتعطي الكون نسقا أثيريا يلغي التباينات الفيزيائية، بين عناصر الوجود.. نار وغبار وماء ومعدن وأنسجة وسواها” كلها تندغم في رؤية موجية، إذا نظر لها من خط قصي واقع في نطاق الكون، لا تطاله النسبية.
منظومة العمل، يحب أن تشتغل على أرض الواقع، الذي يستأنس بالفقه وفلسفة الدين والعلم، إحتكاما الى متطلبات العمل النقابي إجرائيا.. نحن الآن إزاء نقابة معطلة، لم تنتقل من حيز العدم المكاني الى (الانوجاد) المكاني الملوس بشواهد يقدمها المجلس المركزي، على شكل منجزات للهيئة العامة، محيدا كل تلك الفلسفة الفقهية، لصالح الأثر الملموس على حياة الطبيب الشاب، الذي يحتاج من النقابة مساعدته في تكوين نفسه، نظير لملمة تشظي الطبيب المتقاعد، الذي إنفلتت الحياة.. متسربة من بين أصابع عمر ترتجف، لا تقوى على حمل المشرط، فيكتفي بتوجيه الشاب الى الكيفية المثلى في حمله.. إستشاريا.. توجيهيا، سمها ما شئت، لكنها بالنتيجة تحقق تكامل الخبرة مع عنفوان الشباب؛ لبلوغ العطاء النقابي الذي يضفي فائدته على الوحدات الطبية، بتوفير أفضل سبل تقديم الخدمة للوطن والمواطن؛ بما يجعله ملاك رحمة ونبي إنقاذ، برأي المراجع.. تشبها بعيسى.. عليه السلام، وهو يحيي الموتى ويبصر العميان.
وهذا لا يتحقق الا من خلال نقابة ذات مجلس مركزي قوي، يقوم أداء الوزارة، بحيث توفر المستلزمات التي تقنع المراجع بأداء الطبيب، فلا يعتدى عليه.
ولا بأس من أن يكون للنقابة مستشفاها أيضا، مثلها كالهلال الأحمر الدولية، فنقابة الصحفيين العراقيين، لها جريدة “الزوراء” ووكالة أنباء “نينا” ومجموعة فضائيات، تشغل فيها من تجد فيه ضرورة للإعلام المحلي، ولا تبقي الضروريين عاطلين لأن رؤاهم قد تتفاوت مع إيديولوجيات الجرائد والوكالات والمواقع والفضائيات الحكومية والاهلية، وكذلك نقابة الممثلين المصريين، لها حق دستوري بفرض أثنين من التقاعدين، على أي فيلم تجيزه؛ كي لا تتبدد الخبرة بالعطالة.
ولنقابتنا ان تحذو حذو “صحفي العراق” و”ممثلي مصر” بتحقيق الوجود من العدم، إجابة على السؤال الحكيم في الآية الكريمة: “هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا”.
فلنجعل الطبيب.. الشاب والمتقاعد.. مذكورا بتوجيه من الرب، نبني عليه منظومة إشتغال، تؤمن سبل عيش وإرتقاء بالواقع المهني والاجتماعي للطبيب، إستجابة للنقلة الفقهية، من العدم الى الوجود؛ الذي يحقق للنقابة مكانتها بالتالي، من خلال خدمة زملائها؛ فالنقابات.. خدمية مطلبية.. تعنى بحل مشاكل أعضاء الهيئة العامة وتأمين فرص طيبة.. مهنيا وإجتماعيا لهم.. أولا وآخرا، مثل ايجاد فرصة عمل في مكان لائق مستوف ادوات خدمة المراجع، فلا يعد مبرر للإعتداء على الطبيب، والمساعدة في تأثيث عيادة خاصة وسلفة زواج وقطعة ارض.. هذا عمل النقابات المهنية في العالم قاطبة.. بكل الإختصاصات، وسوى هذا الكلام، مزايدة جوفاء، تحيد عن الحق، لتجامل المسؤولين بالباطل، في حين يجب ان يكون شعار النقابي الحقيقي: “من يزعل من الحق لا اريد رضاه بالباطل”.