23 ديسمبر، 2024 1:46 م

الزعيم وصبريه ..موعد عند القمر

الزعيم وصبريه ..موعد عند القمر

عند صحائف الخالدين. فى مثل هذا اليوم من كل سنه تستيقظ الانسانيه وتنحنى إجلالا لصاحب الذكرى العطرة..و تهب الجموع من رقادها الطويل لتستذكر مغيب شمس وافول قمر.. اليوم تقف الأجيال ناظرة بعين اكتنفتها الدموع وحشرج في صدرها الألم لرجل، عاش حياة الزهد كالرهبان ،والبسته الرفعه خلق الحواريون. اليوم نتذكر سجية السماحة والعفو.. وصرائف الشاكريه.. و(سفرطاس) الزعيم.. ورفقة جلوب الاوتجى. نستذكر مبيته على ارض الغرفة الرطبة امام مكتبه المتواضع وتجواله وسط الفقراء والمعوزين..حين كان التواّد والحب العفوي للشعب يصل الى ارقى مراتبه .
اليوم تقود الذكرى الملايين من محبي الزعيم عبد الكريم وعشاق الحرية ليجللوا طيفه بأكاليل الغار ويزرعوا الزهر على مهجعه حيث يتربع على قلوب البائسين ويحل فى حدقات المحرومين .اليوم في ذكرى ثورة 14 \تموز الخالدة يعفرون ذكراه بالحناء ويوقدون سرج التحرر والانعتاق على دربه.
فى الناصريه..فى احدى اماسى صيف خمسينيات القرن الماضي تمايل الجسر الخشبي كارجوحه ،بين دفتى شاطى الفرات ونسيمات المساء الحانيه تتلاعب بالسدارات الكاكيه للصديقين الشابين (أأكريم الجده وعبدالكريم قاسم ) كانا نقيبين من الفوج الاول للواء الرابع عشر في حامية الناصرية التي تربض ببنائها الضخم كصرح سومري مهيب .وتراقصت بجسديهما دماء الشباب وهم يحثان الخطى بنزق الصبابة ودفق الحياة حيث يستريحان فى فضاءات الناصريه الرحبه ويرتشفان من نسائم عكد الهوى الفسيح.
وفى حصن الحاميه العسكري عندما يسدل الليل استاره ويلقي الكرى رداءه على وجه الارض يقف عبد الكريم امام شباك غرفته الحزين ليطالع نهر الفرات الذى لاينام.. ففى امواجه يسكب المحبون اهاتهم، وعلى جرفيه يهرق المستوحشون ندى دموعهم، وعلى رقص نسائمه عزاء للروح الوادعه و فى تهاليل مشاحيفه سلوى لعاشق مثله مستهام بحب ريفية جنوبيه.
فيمــــــــد النظر بعيدا الى (بنكلة السمك)حيث طيف بائعة السمك (صبريه) الجميل، بوجهها السومرى .تفترش شاطئ الفرات وتغترف براحتيها مائه العذب فيلامس الشفاه القرمزية. فيتناجيان كطيفي عاشقين ويمتزجان كالفضة بالذهب..وأستحضر.. يوما مـر من امامها وهى تفترش الأرض حيث التقت..عيناهما…وخفق قلبيهما.. فاحمرت وجنتي صبريه واستحالتا الى قرصي شمس وشب فى قلب قاسم ضرام حب جديد. ورأى طيف وملامح ملكة سومرية يتربع في سوق الناصريه:
سألها :كم كيلو البسمك.. يبنــيه !!!
اجابت:أأبـــــــــــلاش.. لأبو خلــيل..
لصوت صبريه وقع السحر على قلبه المرهف.. قلب ابن الصويرة.. وهو يصغى لتغريد بلبل من الناصريه، اوحفيف غصن تدلى على شاطئ الفرات ،اوخرير ..كانت صبريه حورية بجسد أمرأة جنوبية.. اوملاك سماوى نزل من الملكوت ليبيع السمك..
تلعثمت الكلمات في فم عبدالكريم فسالها :
أأ نتي شســــــمج..
:يـــــا.عليـــــــــش..تســــــــــــــــال !!!!!

وجم عبد الكريم وتطلع بوجه اكتنزته مسوح ألبراءة والعفويه .
.. يـــــــــــــــــــــــــا.. لاتزعل.. أأأأسمي صبريه .
وأأنتة شسمك…
رد الضابط وهويرمق نجومة الذهبية :..اسمى.. النقيب عبدالكريم قاسم الزبيدى…
فغرد شحرور الجنوب :يــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا..معنــاته..أسمك..اأأكـــــــريم..
وضحكت صبرية بكل غنج ودلال وبدت صفين من جمان منضود فى استدارة الفم القرمزي. وتدفق شلال من الدماء الى تفاحتي الخدود..وضحك الاثنيين.. وانتشوا بحلاوة اللقى وتهللوا بنورالامل.. حينها عشعش الحب فى الايك الخاوي.. وانبتت على الضلوع الحانيه زنابق وزنابق.. واوردت على القلب الخلي ازاهيروازاهير.
من اجل عينيي (صبريه) رافق السهد ليالي (ااكريم) وتوادع السهر جوانح روحه العاشقه. وعزفت قيثارة شجونه لحن الحب الحزين.. وتكررت اللقيا وتجددت المواعيد وخط القدر بســـفر عمره مولد حب جديد ،حبا لايعرف الحدود ولايجيد وصف المناصب..حبا عذريا جمع قلبى فارسا من بغداد وريفية من الناصـــــــــــــــــــريه.
وتهامــــــــــــــس اهالي الناصريه بحكاية الحب الجديد حب (النقيب ااكريم وصبريه).. ولم ترق لخفافيش الظلام.. ممقتي نور الامل.. لم ترق لذابحي حمائم الحب الجميل.. وسجاني بلابل الدوح..ناثري دروب الهوى حجرا وشوكا.. فأمطروا قرطاسه الأبيض الجميل وسيرتة العسكرية الوضاءة بعشرات النصال المغمسه بالسم الزعاف ومزقوا لوحه الوفاء بعشرات الخناجر الصدئة.. فاراق الكيد عبير قصتهما ووأد الحقد سفر حبـــهما.
خيم الليل بجناحيه فوق قلب النقيب عبد الكريم والبس الفراق قلبه ثوب اسودا داكنا. وتأوه الصدر بحسرات كسيره .وهو يستمع لتقريع الضابط الكبير عن مافعله فى مساءات (البنكله). أذ كان هذا الحب من زاوية ما كسرا للقوانين العسكرية، لذا تم نقله الى وحدة عسكرية أخرى وختم رئيسة القول بانه لن يرى طيف(أم السمـــك) مرة أخرى.وماعلّيه الا ان يستلم امر نقله الى موقع أخر ويرحـــــــــــــــــــــــــــل.!!!!!!!
حزن عبدالكريم حزن المفجوعه بولدها ولم يطق لحظات الوداع مع صبرية فانهار باكيا بكل ما اوتيت عيناه من دمع واسر الى صديقه النقيب عبد الكريم الجدة انة
((لن يتزوج أبدا)) وفاء لحب صبرية الكبير..؟
مرت الايام وتعدت السنون وصبريه تغفو وتنام على صدى الذكــــــــــرى الحزينه، وتذرف دمعا كدموع الثكلى، وتناجى فى طيوفها شخص (أأأكـــــــــــــريم) وتنظر فى وحدتها وجهه الباسم.. وأن كان بعيد فهو رفيق نفسها وأنيس لوعتها..متجملة بالصبر ومتزودة بالامل متيقنة من أرادة الرب سيجمع قلبيهما فى عليائه على أرائك فردوســـــــــه حيث ملكوت رحمته وواسع سماواته.
على سطوح بيوتات سوق الناصرية:
تجمع الاهالى على سطوح المنازل بمنطقة (الصفاه) الغارقه بالظلام فى ليلية صيفية هبت فيها نسائم الجنوب وغازلت عيونهم جدائل القمر وإحداقهم صوب الضوء المستنير وهم يتنادون:
(عبدالكريم كل القلوب تهواك
عبدالكريم رب العباد يرعاك)
وتنادت الحناجر المتعبه وهى تلهج بخيالها البسيط وحبها العفوى الكبير مشرئبه حيث النور المتعالى: ذاك الزعيم صورته.. بالكمر.. ذاك الزعيم صورته بالكمر !!!!!!
انتفضت صبريه لمسمع النداء واعادت تلك الايام الجميله وتذكرت بان بينهما موعدا لم يتم. طوته كف القدر واسدل عليه ستار النسيان وتمنت ان تلتقى بحبيبها أأكريــــــــــــــــــــــــــم ..حتى.. ولو..عند القمـــــــــــــــــــــــر.
 _____________
رواها لي (كامل محمد علي النجم الحسيناوي _ أبو رغد) وكتبتها بتصرف