18 ديسمبر، 2024 9:05 م

الزعيم عبد الكريم قاسم والمعلم النقابي 15 

الزعيم عبد الكريم قاسم والمعلم النقابي 15 

بعد (14/ تموز/ 1958)، اطلقت حرية التنظيم النقابي والجماهيري. فأجازت السلطة الجديدة عدداً كبيراً من النقابات المهنية والجمعيات: عمال وفلاحون، طلبة ومعلمون، مهندسون واطباء وصيادلة وصحفيون وادباء…الخ. ويصح القول: انه لم يبق قطاع مهني او جماهيري لم يشمل بالتنظيم النقابي.
سيطرة اليساريين
قبل الثورة، كانت هناك نقابة او جمعية للمحامين العراقيين. ولعلها الجمعية الوحيدة المجازة في العهد الملكي. لذلك كان الحماس طاغياً للانخراط في العمل النقابي. لكن الملاحظ في هذا العمل، انه لم يتم الفصل بين ماهو (سياسي) وما هو (مهني). وهكذا سيطر اليساريون على تلك النقابات والمنظمات خاصة خلال عامي 1958- 1959. ولكن حصل اختراق لسيطرة اليساريين على النقابات. ففي صيف عام 1959، فاز القومي المحامي عبد الزراق شبيب برئاسة نقابة المحامين. وبدأ القوميون بكافة فصائلهم، بالفوز برئاسة هذه النقابة أو تلك. ونركز حديثنا هنا على نقابة المعلمين في العراق.
النقيب فيصل السامر
هي من اهم النقابات في العراق، ولعلها اوسع النقابات من حيث القاعدة الجماهيري. وكان اول نقيب لها، هو الاكاديمي اليساري الدكتور فيصل السامر الذي ولد في البصرة عام 1922. ولاهميتها تمسك اليساريون بالسيطرة على هذه النقابة. كان تجمع اليساريين الانتخابي تحت لافتة (القائمة المهنية)، بينما كان التجمع الانتخابي للقوميين يحمل اسم (الجبهة التعليمية الموحدة).
محمد ناصر والجواري
وبانتخابات المعلمين عام 1961، انتزع القوميون رئاسة نقابة المعلمين. ففي المؤتمر الثالث الذي عقد مطلع ذلك العام، انتخب الدكتور محمد ناصر (المولود في ابي الخصيب بالبصرة عام 1911)، نقيباً للمعلمين. وعام 1962، وبعد فوز القوميين بمعظم فروع النقابة في المحافظات، تم انتخاب الدكتور احمد عبد الستار الجواري، نقيباً للمعلمين. والدكتور الجواري مولود في بغداد 1924. تم ذلك في المؤتمر الرابع للنقابة المنعقد مطلع عام 1962. وحضر المؤتمر الزعيم عبد الكريم قاسم/ رئيس الوزراء انذاك. وكما يفعل الزعيم قاسم في المؤتمرات التي يحضرها، القى خطاباً في المؤتمر. وكان النقل مباشراً. وحدثني مصدر نقابي موثوق بما يلي: القى الزعيم خطاباً مرتجلاً كعادته. وتواجه خطابات الزعيم بالتصفيق وبالهتافات: (يعيش.. يسقط..). مما يجعل الخطابات مطولة. ولا اتذكر ان الزعيم قد وضع ورقة امامه، وقرأ منها خطاباً له. ويقول المصدر: القى الزعيم خطابه، وخلاله كرر اعتماده لسياسة (التضامن العربي). وهنا كانت المفاجأة: وقف احد مندوبي المؤتمر، وقاطع الزعيم قاسم قائلاً: سيادة الزعيم.. التضامن العربي شعار وضعه الاستعمار بديلاً عن الوحدة العربية. تفاجأ الزعيم والحاضرون بما حدث. وامام المفاجأة، كان الزعيم يخاطب المعلم: ايها الاخ.. وكررها عدة مرات. سريعاً تجاوز الزعيم والحاضرون ما حدث، وعاد لالقاء خطابه. وحين انتهى المؤتمر، وهم الزعيم بالمغادرة، جاء الانضباط العسكري، وكأن يرأسه العقيد عبد الكريم الجدّة، واعتقل المعلم. وأمام ذلك، اتخذت النقابة قراراً بالاضراب والتوقف عن عقد الجلسات اذا لم يطلق سراح المعلم المعتقل. وصباح اليوم التالي كان المعلم الذي اعتقل حراً بين زملائه المؤتمرين.
 ماذا قال الزعيم؟
وعندما سئل ذلك المعلم عن وقائع ما جرى له منذ اعتقاله حتى اطلاق سراحه، ذكر المعلم: عندما اعتقلوني اخذوني الى مقر الانضباط العسكري في باب المعظم. بقيت حتى منتصف الليل، عندما عاد الزعيم عبد الكريم من جولة ليلية في مدينة بغداد. عندها اخذوني الى مكتب الزعيم. كنت خائفاً. وعندما وقفت امام الزعيم، سألني: ماذا قلت صباح اليوم بالمؤتمر؟ اجبته وكررت نفس كلامي. سألني اين تقيم؟ فذكرت له اسم ومكان الفندق. عندها نادى الزعيم مرافقه العقيد وصفي طاهر. وقالك وصفي.. تجلبون عشاءً للمعلم، وتوصلونه الى الفندق الذي يقيم فيه. وبعد العشاء اوصلتني سيارة الانضباط العسكري الى الفندق. وها انذا بينكم.. ونستنتج ان سعة صدر الزعيم، واعتماده منهج: عفا الله عمــا سلف، وراء هذا الاجراء الذي عاد المعلم الى زملائه، وجنب المؤتمر تعقيدات محتملة. وما احوجنا لمثل هذه المواقف.