من حالم بسيط لأن يكون رئيس وحدة إدارية في مدينة منسية مثل طويريج الى زعيم تاريخي يطمح بالسيادة والتبجيل في كل مكان يذهب إليه، ضاعت أحلامنا معه، وفقد البلد فرصة مهمة من اجل النهوض في لحظة تاريخية حرجة، تسللت فيها البلاد نحو الطائفية والدمار.
ثمانية سنوات أدخلنا فيها الزعيم التاريخي أنفاقا مظلمة، تخللها سرقات وعنف طائفي وتحريض وفساد مالي وإداري غير مسبوق، ومن خلالها استطاع العراق ان يحرز درجات متقدمة كأكثر البلدان فسادا وهدرا للمال العام، دون ان تكون هنالك محاسبة فعلية لما تسبب بكل ذلك.
تكشف قيادة الزعيم التاريخي للسلطة، انه كان يبحث عن صناعة مجد خاص به، لكنه مجد على طريقة الطغاة، دون ان يكترث لأحد، كان يرى نفسه هو الأول والأخير وهو الفاهم العالم بكل الأمور، يعتقد بأنه يمتلك مفاتيح السياسة وإدارة السلطة بطريقة يمكن ان تخلده على طريقة العظماء.
لم يكن داء العظمة يصيب الرجل بهذه الطريقة الفجة، غير ان كثرة، المتملقين له واللاهثين خلفه في كل مكان، كانت قد حولته إلى كائن اخر يفكر بطريقة ترضي أنصاره وأعضاء حزبه فقط، بعد ان وجد في نفسه سيد القوم، تزعم الحزب ثم انشق في طريق اخر، كان قد سار فيه وحده مع صحبه المتملقين، الذين يقنعونه في كل مرة بأنه هو الخيار الصحيح دائما.
على مدار ثمانية سنوات قاد خطابا طائفيا تحريضيا مارسه ضد الجميع بلا كلل، وفي كل مرة كانت تظهر أزمة خانقة، تجر فيها البلاد اذيال الهزيمة، سيطر على الأجهزة الأمنية بشكل مباشر ووضع فيها قيادات أمنية متكرشة فاشلة، لا تعرف من معاني الانضباط العسكري غير سرقة رواتب الجنود والدخول بصفقات مالية هائلة، كانت نتيجة كل ذلك سقوط نصف البلاد بيد الإرهاب، بعد ان اعتمد على قادته الفاشلين سنوات طويلة.
يكشف في كل مرة أنصاره عن القاب تاريخية يلصقونها به، امثال المختار والفخامة والزعيم التاريخي، ولا تكشف هذه الالقاب سوى عن عقد وامراض مستعصية بهذا الرجل وحفنة المرضى الذين معه، اذ يعتقدون بأن كل ما حصلوا عليه من استثمارات وصفقات مشبوهة هي نتيجة لخدماتهم الجهادية التي قضوها خارج العراق، وحان الوقت كي يستنزفوا موارده الطبيعية والبشرية في حرب قذرة يشعلونها في كل مرة .
تذكر تقارير شبه رسمية ان نصف دخل الحكومة خلال ولاية الزعيم في الثمانية سنوات جرت سرقته، وكشفت تلك التقارير عن اختفاء نصف تريليون دولار من الخزينة العراقية، فيما بلغ مجمل الريع النفطي العراقي خلال 2006 – 2014 مجموع 800 مليون دولار، فيما استلمت حكومته انذاك مساعدات دولية بلغت 250 مليون دولار، كل هذه الارقام تكشف حجم الكارثة، حيث وصفته منظمات عالمية بأنها اكبر فضيحة فساد في التاريخ.
الى جانب كل فضائح المال، التي حصلت، كان الزعيم قد أطل على البلاد حينما سقطت نصف الاراضي بيد داعش، في ليلة وضحاها، كانت البلاد قد دخلت في نفق مظلم يحاول الخروج منه من لحظة السقوط ولغاية الان، في حرب استنزاف طويلة، استشهد فيها المئات من الشباب، وبعد كل هذا لم يستح من نفسه، لا يزال يصر بعنجهيته أنه على صواب، بعد ان رفع شعارات الحرص والحفاظ على الاسلام.
من المخزي ان تتحول من زعيم تاريخي ومختارا للعصر كما يسميك انصارك، مع حجم الاموال المنهوبة خلال ولايتك لثمانية سنوات الى زعيم مفلس تطردك المحافظات اينما ذهبت، بسبب افعالك وسياستك التي أرجعت البلاد الى الوراء كثيرا، مع استفحال المفسدين وتسلطهم بفعل المال السياسي.
طرد الزعيم من مدن الجنوب، تكشف لنا بأن الرجل قد احترقت ورقته منذ وقت طويل، واصبح مثير للجدل وصانع للازمات في كل مكان يصل إليه، واما من تبقى معك، فهولاء واهمين بأنك صانع الحلول في العراق، هولاء الـ”خطية” وبعض المتملقين، كانوا النتيجة الطبيعية التي دفعوك بها نحو الهاوية، وليس ثمة وقت كي تعيد التفكير بنفسك، فكل شيء سيتغير نحو الافضل طالما انك ستكون بعيدا عن دائرة صنع الازمات والمشاكل واثارة الفتن.