18 ديسمبر، 2024 9:07 م

في مستهل عهد السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي ، الموصوف ب ( سَوفَ ) ، وهي حرف مبني على الفتح ، يخص أفعال المضارع للإستقبال البعيد ، فيرد الفعل من الزمان الضيق وهو الحال ، إلى الزمان الواسع وهو الإستقبال ، وهو يقتضي معنى المماطلة والتأخير ، وأكثر ما يستعمل في الوعيد ، وقد يستعمل في الوعد بالعمل بإجتهاد ، وذلك ما لم نلمس منه جديدا في محاربة الفساد وإجتثاث الفاسدين ، ولربما كان ذلك هو المنطلق والمبتغى ؟!، حين وصف سيادته المطالبين بمحاربة الفساد ، بأن كلامهم وحديثهم عن الفساد لا يعالج حالات الفساد ، لأنه مجرد زعيق ، كونهم لا يملكون أدوات التنفيذ المطلوبة واللازمة ، وحيث وجدت نفسي واحدا من الزاعقين في محاربة الفساد الإداري والمالي ، وقد كتبت عددا من المقالات المتسلسلة في هذا المجال ، على صفحات التواصل الإجتماعي التي لم أعرف غيرها سبيلا ، فقررت إعادة نشرها زعقا متكررا منذ 27/7/2015 ، لأنها تتضمن بعض المشاكل القانونية والإدارية التي ينبغي معالجتها ، بالشكل والصيغة المقترحة في المقال الخاص بكل منها ، ومن ثم أكرر نشرها في صحيفة كتابات الغراء هذه ، مع مراعاة ما يستوجب الحذف والإضافة تبعا لمقتضبات ومتطلبات المتغيرات والمستجدات ، ولا أعتقد أن من يعتمد عليهم السيد رئيس مجلس الوزراء ، أكثر خبرة وكفاءة ممن يواجهون الفساد بزعيق حناجرهم وصرير أقلامهم ، بعد ممارسة عملية تطبيقية في دوائر الدولة ، أكسبتهم ما ليس عند غيرهم من فضل الخبرة ، ولهم فيها ما يشهد لهم من البحوث والدراسات والكتب المؤلفة والموثقة ، ما يستعينون بها في مواجهة العقبات والمعوقات ، ويضعون الحلول والمعالجات ، ولكني ومن باب التوسعة في فهم معنى الزعيق ، نقلت بعض ما ورد في معاجم اللغة تعضيدا لشأن الموضوع ، حيث ( قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يوم حنين : دونكما مترعة دهاقا ، كأسا زعافا مزجت زعاقا ) . ( والزعاق الماء المر الغليظ الذي لا يطاق شربه من أجوجته ، وإذا كثر ملح الشئ حتى يصير إلى المرارة فأكلته قلت : أكلته زعاقا ، وزعق بدوابه زعقا : صاح بها وطردها مسرعا ، وزعقت الريح التراب : أثارته ، وزعقت العقرب فلانا : لدغته ، وأرض مزعوقة ومدعوقة وممعوقة ومبعوقة : إذا أصابها مطر وابل شديد ، والزعق : هو النشيط الذي يفزع مع نشاطه … إلخ ) ، والخلاصة أن معنى زعق في اللغة هو : الصياحُ . وقد زَعَقْتُ به زَعْقاً. والزَعْقُ بالتحريك : مصدر قولك : زَعِقَ يَزْعَقُ فهو زَعِقٌ ، وقد أَزْعَقَهُ الخوفُ حتّى زَعِقَ وانزَعَقَ ) .

ولربما يكون السيد رئيس مجلس الوزراء محقا بعض الشيء في وصفه ، لأن معظم ما قد سمعه من أقوال وشعارات وهتافات وتصريحات المتظاهرين ، لا تتصف بمهنية العرض المستند إلى أي نص من التشريعات النافذة والمعتمدة ، وحيث تلقينا بعض الآراء ، من أن الإطالة والإسهاب في أسلوب الكتابة ، يؤدي إلى عدم الإهتمام بما ينشر ، إلى حد أن البعض لا يقرأ أو لا تستهويه مطالعة تلك الصفحات ، كما قال آخرون إن ما تكتبه لا يمكن للجهات المختصة قبوله ، لتعارضه مع مصالحهم وما هم عليه من الفساد ، وعلى أساس كل ما تقدم أوغيره من الآراء ، أوضحنا الآتي :-

أولا_ إن المقالات تضع من يتابعها من المسؤولين ، أمام عرض مهني كاشف لبعض حالات الفساد ، من الناحيتين التشريعية أو التنفيذية ، مع بيان الحلول والمعالجات اللازمة لتجاوز تلك المعوقات والعقبات .

ثانيا_ تهدف المقالات إلى نشر الوعي والثقافة القانونية والإدارية ، للحد من عرض الآراء والتصريحات الخاطئة ، التي تخدم الإبقاء على حالات الفساد ، وليس إزالتها وتحقيق ما تسعى الجماهير إليه .

ثالثا_ الرغبة في الإستفادة من آراء المختصين والمهتمين المهنيين ، لإغناء الموضوعات بالمعلومات الجديدة ، وتصحيح ما يرد فيها من أخطاء تشريعية أو في الإجراءات الإدارية أو في المقترحات .

رابعا_ نحن نكتب لمن يريد معرفة وفهم كيفية تحديد الإستحقاقات وحقيقتها ، مع كيفية التصدي لها من أجل تصحيح مساراتها ، والإبتعاد عن الحديث غير المؤسس على السند التشريعي ، وعدم ترديد الأقوال من غير علمية أو مهنية تطبيقية .

ويتكرر المطلوب … ما هو الحل ؟؟؟… سؤال طالما تكرر طرحه على موائد الحوار والنقاش ، مقابل عجز الحكومة على تلبية حقوق المتظاهرين في بيوتهم وفي الساحات ، أو إفتعالها مبررات ذلك العجز ، بسعي السير في ظل شجرة فساد عام ، أرضه بوار ومياهه آسنة ، وقاعدته عدم المهنية في العرض والمعالجة ، ولأن الفاسد ليس قويا ، إنما هو ماكر خبيث ، يتضح ضعفه وخوره جليا ، عندما يجد في مواجهته مهنيا صلبا متينا مليئا بالمعلومات ، كما تبرز صفات قوته الواهمة ، عندما يجد في مواجهته من يتحدث بلغة الشعارات والتوجهات السياسية ، ومزايدات اللغو غير المستند إلى قوة التشريعات والإجراءات الكفيلة بمقارعته ورده . وأولها المطالبة بتعديل قانون الإنتحابات بمشاركة فاعلة من قوى الحراك المدني الشعبي المهني ، وإعادة تشكيل اللجنة العليا المستقلة للإنتخابات من مستقلين مهنيين حقيقيين ، ومن ثم إجراء إنتخابات مبكرة ، يساهم فيها الحراك المدني الشعبي بقواه الوطنية المهنية ، وعلى أن تتم الإنتخابات بإشراف الأمم المتحدة ، عندها سينكشف هوان إمكانيات المكونات السلطوية للكيانات السياسية الخاوية من مقومات القدرة الوطنية ، وعندها سيكون إنهيارها حتميا ولازما ، وتلك هي وسائل التغيير السلمية للإصلاح ، المدعمة بحملة توعوية وثقافية للقواعد الجماهيرية ، عندها سيكون هنالك نوابا يمكن مراقبتهم ومساءلتهم عن كل تقصير في الأداء ، ولربما التظاهر والمطالبة بسحب الثقة منهم ، لأن الشعب مصدر السلطات ، وبهذا المستوى من الفهم والإدراك لمقتضيات الأصلاح والتغيير ، نستطيع مواجهة الفاشلين والفاسدين ، الذين ينتهزون نقاط الضعف في المطالب ، ويسخرونها لتحقيق ديمومة مصالحهم على حساب مصالح الشعب ، وكل تلك الإجراءات لا تستغرق ثلاثة أشهر ، إن كانت هنالك جدية لدى المتظاهرين بضغطهم الجماهيري ، والحكومة بتنفيذها لأحكام الدستور والقانون من أجل الصالح العام ، وإلا فعلى العراق والعراقيين ، تحية وسلام من في دوارس القبور .

قلنا ذلك وثبتناه مرارا وتكرارا ، بأن إجراءات السيد رئيس مجلس الوزراء ، ذر للرماد في العيون ، وإمتصاص لغضب الجماهير المتظاهرة ، وتخدير مؤقت لثورة الشعب السلمية ، كونها للإستهلاك المحلي ، ورمي للكرة في ملعب مجلس النواب التي ردها خجلا ، فهل هي حقا متطابقة مع أحكام الدستور والقانون ؟، أم إنها مخالفة لهما ، وذلك ما أوضحناه ، ولكن معظم المتظاهرين لا يقرأون ؟!، وعليه دعونا إلى عدم التعجل في إصدار الأحكام ، وأن يحاط الموضوع بحكمة العقل والمنطق ، وعدم الركون إلى سيطرة قوة العواطف والأهواء ، في معالجة الأمور بشكل سطحي ومؤقت ، ينتهي بعودة الملغى بذات سرعة الإلغاء ، وشتان بين التغيير من حيث الواقع والطموح . ولطالما أكدنا خطأ نظرية الكل يقود الكل ، التي تبناها وروج لها من طمع في قيادة الحراك المدني الشعبي ، وهو غير مؤهل لتلك المهمة ، فأراد إنهاء التظاهرات بطريقة ( إذا مت ظمآن فلا نزل القطر ) ، فكان تشظي الجمع وتفرقه جماعات وزرافات ، وتعدد مصادر التوجيه والتعليمات ، فغرقت الساحة بغثاء السيل والزبد ، الذي أذهب عنها بريق ولمعان جوهر المد المدني الحقيقي ، وبدأت الإعتقالات بصيغ الإختطاف اليومي ، ولن تقف تلك الحملة الشعواء ، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، بإعادة تنظيم الصفوف على وفق رؤية الدولة المدنية الحقيقية ، وليس ترديد الشعارات والهتافات السياسية والأهازيج الشعبية ، من أجل تحقيق أهداف وغايات معلومة ومجهولة ؟!، بوسائل وأساليب الإفتراءات والتلاعب بالألفاظ وخلط الأوراق .

وجددنا الدعوة مخلصين وقبل فوات الأوان وضياع جهد المتظاهرين وفرصة الإصلاحات ، إلى تشكيل هيأة من المستقلين ومن أعضاء منظمات المجتمع المدني ، تتولى مهمة عرض مطالب المتظاهرين مهنيا على الحكومة ومتابعة تنفيذها ، منعا لما قد يصيب الشعب من ضرر ، وتجنبا لخيبة الأمل التي قد تؤدي إلى انكماش المد الشعبي في التأييد والمؤازرة غير المتكررة ، ومن ثم السماح لقوى الفساد والفشل في بسط نفوذها على مقدرات الأمة أكثر من ذي قبل ، وسعينا إلى ذلك بجهد متواضع ، ولكن قوة الأنا لدى الغير غالبة على الطباع ، وما كان بالإمكان إلا ما كان . وكتبنا تحت عنوان ( مطالب المتظاهرين … حقوقهم ( ، على وفق رؤية مهنية خاصة ، إستشرفنا فيها ومن خلالها على طموح الجماهير ، وقد كان ذلك ولا يزال عنوان ومضمون ما نريد من أجل الإصلاح والتغيير ، في :-

1- تشكيل حكومة وطنية من المستقلين التكنوقراط ، لا تتدخل دول الخارج في صنعها .

2- إجراء التعداد العام للسكان بالتزامن مع إعداد قانون الإنتخابات .

3- إجراء الإنتخابات المبكرة ، على أن يحرم من الترشيح فيها كل من شارك في العملية السياسية بعد الإحتلال ، من مستوى مدير قسم فما فوق .

4- الشروع بإعداد دستور جديد للبلاد .

5- البدء بمحاكمة كل من -:

أ – المتهمين بارتكاب جرائم الحرب .

ب – المتهمين بجرائم القتل والتهجير الطائفي .

ج- المتهمين بجرائم الفساد الإداري والمالي .

6- إعادة النظر بمجموعة التشريعات وبمشاركة منظمات المجتمع المدني بما فيها الدستور وقانون الإنتخابات ، وقوانين الوظيفة والخدمة والتقاعد العامة والخاصة ، ووضع معايير تحديد الرواتب والمخصصات العامة والخاصة ، في ضوء المستوى المعاشي المرتبط بدرجة التضخم المالي وارتفاع أسعار السلع والخدمات .

7- العمل الجاد على الإرتقاء بمستوى تقديم الخدمات في جميع المجالات .

8- منع سفر المسؤولين منذ 2003 وإلى حين براءة ذمة كل منهم . وإستدعاء من هم في الخارج للغرض المذكور ، وإلا تعرضوا لإجراءات الأنتربول .

وها نحن عند باب إنتهاء مدة الحكومة السادسة بعد الإحتلال ( مجلس الحكم والمؤقتة والإنتقالية والدائمة بثلاث درجاتها ) ، والحال من سيء إلى أسوء ، ولا أمل ولا رجاء إلا بإجتثاث من عاثوا في الأرض فسادا ، وأهلكوا الحرث والنسل وتميزوا بسرقة المال العام ؟!. ولربما نسوا قدرة الله تعالى : (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) ، أو تجاهلوا وصفهم بقوله سبحانه وتعالى ( وإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ * وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ * فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) …