ينشغل مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي باعداد ملفات عناوينها مختلفة، وحقائب صغيرة لملابس لاتتجاوز ليلة واحدة، حيث سيغادر الكاظمي يوم غد الاثنين إلى العاصمة السعودية الرياض في اول زيارة خارجية منذ وصله لمنصبه، ليغادر بعدها ليلا الى الجارة الشرقية التي تستعد لاستقبال طائرته في طهران، بتحرك جديد يخالف جدول الرحلات الخارجية لرؤساء الحكومات السابقة التي كانت عادتا ماتنطلق مِن ايران وبعدها الى الدول العربية والعالمية، الامر الذي قد يكون متعمدا مِن قبل رئيس الوزراء بهدف ايصال رسالة مفادها التغيير في سياسة الحكومة.
لكن استقبال وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في بغداد، صباح الاحد، قبل يومين مِن جولة الكاظمي قد يجعل تفسير “التغيير” في سياسة الحكومة “ضعيف جدا”، فزيارة ظريف قد تحمل رسالة متفق عليها مسبقا مِن طهران الى الرياض لفتح صفحة جديدة مِن العلاقات تبعد التوترات عن المنطقة وتعيد رسم المصالح في اليمن وسوريا والعراق، لاكمال مهمة الجنرال قاسم سليماني في نقل الرسالة التي كان مِن المقرر تسليمها لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي لدى وصوله الى العاصمة بغداد فجر الثالث مِن شهر كانون الثاني الماضي، لكن طائرة امريكية مِن دون طيار افشلت المهمة التي انهت حياة سليماني ومعه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، لدى مغادرتهما مطار بغداد الدولي، لتكون سببا بتأجيل دور الوساطة العراقية في عقد الصلح بين الرياض وطهران بعهد عبد المهدي.
نعم.. تغيير طريق رحلة الكاظمي بدلا مِن طهران الرياض الى الرياض طهران، ليس كما يفسرها “الحالمون” بقدرة الكاظمي على تجاهل ايران الذي وصل لكرسي رئاسة الوزراء بتوافقها مع واشنطن، انما مصلحة قد تجمع جاري الحدود الذين تفرقهم المصالح والاهداف السياسية، وتجمعهم صفة الحكم “الاسلامي” بغض النظر عن طريقة الاداء، لكن على رئيس الوزراء استغلال تلك المهمة بتقديم مصالح البلاد كشرط عراقي يحاور جيرانه باسم الاهداف المشتركة التي تتطلب احترام السيادة والامتناع عن التدخل في القضايا التي ترتبط بامن الدولة، وبخلافها سيكون الكاظمي مجرد “ساعي بريد” ينقل الرسائل فقط، مِن دون ان يعلم ماتنضمنه.
قد يقول بعض القراء ان الازمة الاقتصادية وحاجة الحكومة للمساعدات المالية لدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين ستجعل الكاظمي عاجزًا عن وضع الشروط التي تجبر دول الجوار على الالتزام باحترام حقوق الجيران، ابدا… فحاجة طهران والرياض للصلح، ممكن ان تدفعهما لتقديم العديد مِن التنازلات وخاصة مع الضغوط التي تمارسها واشنطن على إيران والتفجيرات التي شهدتها المدن الايرانية مؤخرا، وتراجع البيت الابيض عن توفير الحماية للنظام الحاكم في السعودية، او عالاقل ايقاف الهجمات المتكررة للحوثيين، فجميع تلك النقاط ممكن استغلالها مقابل مواجهة الازمة الاقتصادية ومن دون تقديم اية تنازلات.
الخلاصة.. ان رئيس الوزراء مطالب خلال جولته الاقليمية بايجاد طريقة للحوار تبتعد عن اسلوب مستشاريه وتفكيرهم الذي “احرجه” في الكثير مِن القضايا الداخلية والتي كانت نتيجتها اتخاذ قرارات متسرعة لا تستمر لعدة ساعات ليتم التراجع عنها، وهو ما اضعف ثقة “عباد الله” بالحكومة التي ترفع شعار “ثارات تشرين”.. اخيرا… السؤال الذي لابد منه هل سينجح الكاظمي باستغلال ورقة الوساطة؟..